recent
أحدث المقالات

وظائف المشهد في كتابة الرواية الناجحة

يلعب المشهد أحد أخطر الأدوار في كتابة الرواية، ويمكن الزعم أن المشهد الروائي مسؤول عن نجاح أو إخفاق بقية مكونات العمل.


وظائف المشهد في كتابة الرواية الناجحة

كتابة رواية ناجحة يعتمد بشكل كبير على توظيف المشاهد لخدمة باقي عناصر العملية الإبداعية مثل الشخصيات والحبكة والزمان والمكان، بل ويمكننا إن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنقول أن جميع هذه العناصر ستبدو كقصاصات أوراق تسبح في الفراغ من دون مشهد محكم.

ما هو المشهد الروائي؟

جاء في معجم الغني للغة العربية لصاحبه د. عبد الغني أبو العزم أن المشهد المسرحي ( مَنْظَرٌ وَاحِدٌ تَسْتَمِرُّ فِيهِ الْحَرَكَةُ وَالحِوَارُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ).
ومن هذا التعريف اللغوي يمكننا أن نصل إلى تعريف مشاهد الرواية بأنها ’’وحدات أصغر من الفصول الروائية، تعرض تتابع الأحداث وتظهر خصائص الشخصيات وردود أفعالها وتعقّد الحبكة وتحلّها في إطارات محددة للزمان والمكان‘‘.
ومن هذا التعريف نفهم الاتي:
  1. المشهد الروائي وحدة أصغر من الفصل وقد يكون أحد مكوناته أو مستقلًا بذاته.
  2. المشهد الروائي خشبة المسرح التي تظهر عليها الشخصيات والأحداث.
  3. المشهد الروائي نطاق زمكاني لأحداث الرواية

وظائف المشهد الروائي في كتابة الرواية

عند قراءة الكثير من الأعمال الروائية لكتاب جدد يلاحظ أن وظيفة المشهد غائبة تمامًا. فتقرأ المشهد وتخرج منه دون أن تعرف سبب وجوده في هذا المكان وكأن الكاتب وضعه لزيادة حجم الرواية وحسب.
وإذا كان من المفترض أن تؤدي كلّ كلمة في الرواية دورًا في بناء النسق الروائي، فإنه من الأولى أن تقوم بذلك المشاهد ذات الصفحات الكثيرة التي تقف عاطلة في النصّ.
ولعل هذا ما يميز كتابة الرواية المحترفة عن كتابة الهواة والمبتدئين؛ أن الأولى تحبسك في كل كلمة والثانية يكفيك أن تقرأ سطرًا من كل صفحة لتعرف مضمونها.
يمكن للمشهد الروائي أن يؤدي 6 وظائف جميعها ضروري لكتابة رواية ناجحة:

تقديم الشخصيات

المشهد الروائي يمثل للقارئ ما تمثله خشبة المسرح للمتفرج، إنّه ينتظر أنّ تصعد شخصيات القصة واحدًا بعد الآخر ليتعرف عليهم ويكتشف صفاتهم، ومشاعرهم، ويرى ردود أفعالهم.
ومن هنا فإن أحد أهم وظائف المشهد أثناء كتابة الرواية أن يبرز بشكل جلي أفكار الشخصية وعواطفها وصراعها الداخلي فضلًا عن مظهرها الخارجي.
إن المشاهد الروائية المتتابعة تعكس بشكل متدرج طبيعة كل شخصية من شخصيات الروائية، ومن ثمّ فإن القارئ تتراكم لديه كثير من المعلومات عن كلٍ منها، ليصبح في نهاية الرواية قادرًا على التفاعل العاطفي معها.
فإذا أخذنا مثالًا على ذلك بجزء من مشهد من رواية ’’الميل الأخضر‘‘ للكاتب ’’ستيفن كينج‘‘.
’’كلا، أيها الأحمق‘‘، صرخ بروتال وقد أدرك ما سيجري، إلا أن بيرسي لم يعره اهتمامًا. وما إن وصل السيد جينغلز إلى بكرته - وقد استغرق في مهمته تلك حتى إنه لم ينتبه إلى عدوه القديم - حتى كان بيرسي يهوي بنعل حذائه الأسود الثقيل وبكل قوة على جسده. سمعنا جميعًا صوت ظهر السيد جينغلز وهو ينهرس، ورأينا الدم يندفع من فمه. وجحظت عيناه الصغيرتان، لأرى فيهما تجسيدًا لألم مفاجئ مبرح، كذلك الذي يرتسم على وجه أي إنسان.
       صرخ ديلاكروا بكل رعب وأسى الدنيا. وألقى بجسده على باب زنـزانته وهو يمد ذراعيه بقوة بين القضبان، يصرخ باسم الفأر ... يصرخ بلا توقف.
       بينما التفت بيرسي نحوه، ابتسم. ثم قال لنا "ها هو ذا ... كنت أعلم أنني سأنال منه، عاجلا أم آجلا. كانت مسألة وقت، ليس إلا". ثم استدار على عقبيه عائدا عبر الميل الأخضر، في تؤدة ... تاركا السيد جينغلز جاثمًا على تلك الأرضية المفروشة بالمشمع ... وسط بركة من دمائه
.
في هذا المشهد يكشف لنا كينج عن طبيعة شخصية ’’بيرسي‘‘ ضابط سجن الإعدام الذي يقتل فأرًا مدربًا لسجين سينفذ فيه حكم الإعدام بعد ساعات.
كيف لنا أن نعرف وضاعة وقسوة هذه الشخصية ما لم نرها في مشهد يتسم بالفظاظة والعنف؟

خلق عاطفة ما بين الشخصية الروائية والقارئ

من أهم تقنيات كتابة رواية ناجحة أن يرتبط القارئ مع شخصيات القصة وجدانيًا.
لا يهم أن يحبهم أو يكرههم، أن يتمنى أن يكون مكانهم أو يحمد الله أنه ليس مثلهم، لكن المهم أن يولد النصّ شكلًا من أشكال التفاعل الوجداني.
وإذا استخدمنا نفس المقطع السابق لستيفن كينج، فإنه لا شك قد خلق عاطفة قوية تجاه شخصية الضابط ’’بيرسي‘‘ الذي ينتقم من محكوم بالإعدام قبل ساعات من موته بقتل حيوانه المفضل بهذه القسوة.
إنّ من وظائف المشهد في كتابة الرواية أن يتماهى القارئ شعوريًا مع الشخصيات، سواء بالتقمص الإيجابي أو النفور السلبي.
إذا نجح المشهد في منح الشخصية مشاعر معقدة يستطيع القارئ تمييزها والتعاطي معها، يمكننا القول أن كاتب الرواية نجح في خلق شخصية حقيقية من لحم ودم.

صناعة الحالة النفسية والذهنية

تعمل هذه الوظيفة على طريقتين؛ فالمشهد يكشف الحالة النفسية والذهنية للشخصية الروائية، فينعكس ذلك تلقائيًا على الحالة النفسية والذهنية للقارئ.
إذا أخذنا مقتطفًا صغيرًا جدًا من رواية ’’عدّاء الطائرة الورقية‘‘ للكاتب ’’خالد حسني‘‘، سنكتشف دور المشهد في خلق حالة ذهنية ونفسية عن الشخصيات.
حسّان وأنا رضعنا من الصدر نفسه، ومشينا خطواتنا الأولى على المرج نفسه، وتحت السقف نفسه نطقنا بكلمتنا الأولى.كلمتي الأولى كانت (بابا)، كلمة حسّان الأولى كانت (أمير) اسمي.
هذا الجزء من المشهد الروائي سوف يحكم أفكارنا ويوجه نفسيتنا كقراء طوال الرواية، ويجعلنا نتساءل حول علاقة الابن أمير بأبيه؟ وعلاقة حسان بأمير؟

تقديم الفكرة الرئيسية للرواية

من أسس كتابة الرواية أن يكون هناك فكرة رئيسية تدور حولها، وتسمّى الثيمة أو الموضوع.
والثيمة بمثابة عنوان عام تندرج تحته الروايات، فهذه رواية عن الغيرة، وهذه عن الانتقام، وهذه عن الحبّ، وهذه عن الجشع، وهذه عن المرض العقلي، وهذه عن الوحدة، إلخ.
وقد تكون ثيمة الرواية شيئًا خاصًا جديدًا يمثل منظور المؤلف في قضية ما أو حدث أو فترة تاريخية.
في كل الأحوال فإن المشهد الروائي الذي يستوعب بطبيعته جميع عناصر الرواية، المكان الوحيد الذي تعرض فيها الأفكار الرئيسي.
وذلك ببساطة لأنه الموضع الذي تتعرى فيه أفكار الشخصيات وعواطفها، ونرى فيه أفعالها وردود أفعالها على أفكار وعواطف وأفعال الشخصيات الأخرى.

مسرحة الأحداث

من شروط الرواية الناجحة أنها تضم عددًا لا بأس به من الأحداث المثيرة للقارئ.
وهذه الأحداث لا بد من إخراجها بطريقة احترافية كي تؤدي دورها المطلوب في استثارة القراء، وشدهم إلى بقية أجزاء الرواية.
ومن ثمّ كان يجب أن تكتب هذه الأحداث بشكل دراميّ – ربما – أكثر من غيرها، وأن يمهد لها في مشاهد سابقة، وربما من أول كلمة في القصة.
مشاهد مثل الموت، والخيانة، وعودة الغائب، وانتصار المظلوم، وتحقيق العدالة، وجميع الأحداث التي تسفر عن تطور الشخصيات تصبح أكثر تأثيرًا إذا شاهدناها عيانًا ولم يخبرنا عنها الكاتب، كما أنها تصبح أعمق في نفوسنا إذا مُهد لها في مشاهد سابقة.
اقرأ هذه الجزء من مشهد في رواية الطائرة الورقية لخالد حسيني:
رفع آصف قبضته، اتجه نحوي، شعرت بحركة سريعة خلفي، بزاوية عيني رأيت حسّان، ينحني ثم يقف بسرعة.تحولت عينا آصف إلى شيء خلفي، واتسعتا من المفاجأة، رأيت نظرة الذهول ذاتها على وجه والي وكمال عندما شاهدا ما يحدث خلفي.استدرت للوراء لأصبح وجها لوجه مع مقلاع حسّان، كان حسّان قد سحب الحبل إلى آخر المقلاع، وضع حجرًا بحجم جوزة، ورفع مقلاعه ووجه نحو آصف، كانت يداه تهتزان من ضغط الحبل المطاطي، وحبّات من العرق ظهرت على وجهه
لماذا تكبد حسيني عناء هذا الوصف الدقيق لمشهد ’’خناقة‘‘ بين مجموعة صبية؟
لماذا لم يكتب مثلًا ’’نهض حسان ودافع عني برفع المقلاع في وجه آصف‘‘؟
 لماذا جعلنا نقرأ المشهد وكأننا نراه، بل ونرى تفاصيله مثل حجم الحجر الذي كحبّة الجوز، ونظرات الذهول على وجوه الفتيان، وحبات العرق على وجه حسّان، واهتزاز يديه من ضغط الحبل المطاطي؟
السبب ببساطة أن هذا الجزء من المشهد أساسي في كتابة الرواية، وسيبنى عليه أحداث أخرى تحدد مصير الشخصيات، وكذلك تعقد في العلاقة العاطفية بين أمير وحسان.

دفع الحبكة وتعقيدها

من مبادئ كتابة الرواية الجيدة أن تكون لها حبكة مقبولة، تتأزم في منطقة ما من الفصول ثم يعمل الكاتب على حلّ عقدتها.
وكتابة المشهد تلو المشهد يدفع الأحداث، ويزيد الإثارة، ويعظم الصراع مما يقوي الحبكة ويدعهما.
عليك أن تفكر في كتابة المشهد على أنّه قطعة بازل يجب أن تكون متناسقة ومناسبة لما قبلها وما بعدها من قطع حتى تكتمل الصورة.

إذا شذ مشهد في الرواية عن سير الحبكة وتعقيدها، أو جاء فارغًا من صراع أو معلومة أو تشويق، فهو مشهد ميت عليم استئصاله فورًا.

فن كتابة المشهد الروائي

  1. فكر في الرواية كمعمار أو كبناء هندسي، يؤدي فيه كل مكون دورًا أساسيًا، سواء بذاته أو مساعدًا لغيره.
  2. المشهد في كتابة الرواية يشبه قالب الطوب في الذي يتراص مع قوالب مثله ليكتمل البناء الجوهري للنص.
  3. إذا كتبت مشهدًا وأنت لا تعرف لم كتبته، سيصبح مثل الفجوة في الجدار، وإذا كتبت مشهدًا خارجًا عن السياق العام سيصبح مثل نتوء أو بروز في الجدار.
  4. فكر في المشهد كرواية مصغرة يجب أن يكون له بداية ووسط ونهاية
  5. حدد الهدف من كتابة المشهد من السابق ليسهل عليه كتابته
  6. في نهاية المشهد يجب أن تصل الشخصية أو الحدث إلى نقطة جديدة متطورة عن المشهد السابق.
  7. يجب أن تحدد نوع الصراع في كل مشهد (داخلي/خارجي/مزدوج) ليسهل عليه كتابته.
  8. حافظ على الإيقاع بين المشاهد، فلا تكتب مشاهد إثارة وتشويق وصراع متتالية ثم  مشاهد هادئة متتالية، زاوج بين هذا وذاك.
  9. احرص أن تقسم المشهد إلى قسمين (فعل/عاقبة)، في القسم الأول تتخذ الشخصية قرارًا أو تحدث أزمة أو يقع صراع، وفي القسم الثاني اجعل القارئ يرى ردّ الفعل ليكتشف الشخصية.
  10. لا تنس أن الهدف الرئيس للمشهد تسيير حركة الرواية، لذا لا تكتب مشهدًا يعوق الأحداث أو يكسر الإثارة.

   لا تتردد في طرح أسئلته عن وظيفة المشهد في كتابة الرواية في التعليقات بالأسفل، وسأقوم بالردّ عليها في أسرع وقت.

google-playkhamsatmostaqltradent