إذا
كنت دقيقًا بدرجة كافية ستلاحظ أن عنوان هذه التغريدة ’’كيف تكتب مشاعر الشخصيات
الروائية؟‘‘ وليس ’’كيف تكتب عن مشاعر الشخصيات الروائية؟‘‘.
فالقارئ
الذي يسمع لهاث الشخصية الروائية أثناء ركضها لتلحق بحبيبها سيستقر في وجدانه
حرارة عاطفتها، أكثر مما لو أخبره الكاتب بذلك مباشرة.
والقارئ
الذي يرى ارتجاف يد الشخصية الروائية عندما تواجه سيل اتهامات من المحقق، سيدرك
عمق خوفها، أكثر مما لو قيل ذلك صراحة.
وهكذا
تنزاح الواسطة (المؤلف) بين القارئ والشخصيات الروائية، فيحدث التقمص العاطفي،
والاندماج، ويحقق التوتر السردي الهدف من ورائه.
لماذا عليك أن تكتب المشاعر ولا تكتب عنها؟
كتابة
رواية ناجحة يعتمد بالأساس على تفاعل القارئ، سواء كان هنا التفاعل ذهنيًا أو
شعوريًا.
والأرجح
أن الناس يقرأون الروايات ليحرروا عواطفهم، وليجربوا مذاق الانفعالات التي لم
يجربوها في حياتهم.
ومن
هنا كان على الروائي أن يولي اهتمامًا فائقًا بكتابة الشعور والعاطفة لشخصيته
الرواية، بما يجعلها قادرة على استفزاز حسّ القارئ وأحاسيسه.
’’كاتب
الأدب مثل قارئه يعرف أن النصّ الأدبي لا يقرأ عن طريق العقل بل الجوارح جميعها. إنها
السمة التي تمنح الفن خصوصيته، وتجعله غير قابل للاستبدال.‘‘بثينة
العيسى
كيف تكتب مشاعر الشخصية الروائية
تخلق
المشاعر عند الإنسان في الحياة الحقيقية داخليًا لكنها قد تنعكس أحيانًا على سلوكه
وحركته ولغة جسده.
وفي
بعض الحالات يكون الإنسان واعيًا لهذا الانعكاس، وفي البعض الآخر لا ينتبه الشخص
إلى الدموع التي سالت على وجهه، أو إلى ارتفاع صوته، أو إلى شرود نظراته، إلا إذا
لفت الآخرون انتباهه.
وكاتب
الرواية يحتاج أن يدمج بين هذه التنويعات المختلفة عندما يكتب عن مشاعر شخصياته
الروائية.
عليه
أن يكون واعيًا كالترمومتر بحرارة الشعور، ومتى يظل داخليًا ومتى يظهر على السطح.
أدوات كتابة مشاعر الشخصيات في الرواية
لكل
كاتب أسلوبه الخاص في إظهار مشاعر شخصياته أثناء كتابة الرواية، وغالبًا تنحصر
أدوات كتابة المشاعر في:
- التصريح
- الوصف
- الإيماء
التصريح
استخدام
التصريح في كتابة مشاعر الشخصية يعني أن يقوم المؤلف بذكر ’’الشعور‘‘ مباشرة
وصراحة، دون أن يعطي القارئ فرصة اختباره بنفسه.
’’كنت
جدّ متشنجة، لكن بمجرد أن دخلت البيت أحسست بأمان غريب،
وذهبت كلّ ارتباكاتي التي كانت تعتريني‘‘مملكة
الفراشة – واسيني الأعرج
لجأ الكاتب في المثال السابق إلى التصريح
بالشعور مباشرة، ربما لأسباب تتعلق بالحفاظ على إيقاع السرد، لكنه مثال واضح على
ذكر الشعور باسمه دون جهد.
’’نزلت
كاترين من السيارة بعد أن تبادلا قبلة باردة نوعًا ما، ودعها بابتسامة شاردة
وانصرف. ضايقه هذا الشعور الذي انتابه نحوها بشدة
هذه المرة‘‘
’’بعد
قليل بدأ يوسف نجيب يشعر بالملل...‘‘
تويا
– أشرف عشماوي
وفي
المثالين السابقين لا يتكلف الكاتب أي جهد في كتابة الشعور، إنّه يطرحه كما هو
باسمه المتداول تاركًا حرارة التفاعل رهن ظروف كل قارئ.
الوصف
وصف
المشاعر تقنية أكثر احترافية، إنها تعكس جهد الكاتب في منح مشاعر الشخصية عمقًا
وفاعلية.
عندما
يكتب الروائي مشاعر شخصياته في جملة وصفية، فإنه لا يستسهل، لا يلجأ إلى الخيار
الأول، إنه يعصر عقله وقلبه ليمنح قارئه خلاصة التجربة الحسية.
وكما
تقول الأديبة بثينة العيسي
الكاتب البارع لا يكتب عن الحزن، بل يكتب الحزن إنه يكسر قلب قارئه ويدميه. الكاتب البارع لا يكتب عن الحبّ بل يذكر قارئه بكل حبّ في حياته، ويجعله يعشق مرة أخرى. الكاتب البارع لا يكتب عن الوحدة بل يخنق قارئه بها.
وسوف
نستخدم بعض الأمثلة التي استخدمتها العيسى في التدليل على قوة وصف المشاعر في
كتابها الحقيقة والمعنى.
’’كنت
أحبّ بابا في أغلب الأوقات إلى درجة العبادة، أمّا في تلك
اللحظة فقد تمنيت لو أفتح أوردتي وأصفي دماءه الملعونة من جسدي‘‘
عداء
الطائرة الورقية – خالد حسيني
كان
يمكن لحسيني أن يصرح بكلمة واحدة عن علاقته بوالده في هذه اللحظة، كان يمكن أن
يقول ’’شعرت بالكراهية‘‘ أو ’’أحسست بالقهر‘‘ إلخ لكنّه آثر أن يمنح القارئ مذاق
الشعور مركزًا في صورة لن تنتزع من الذاكرة بسهولة.
وهذا
ما يميز وصف المشاعر عن التصريح بها، أن الوصف يصل كالحقنة في الوريد إلى جميع
مراكز الشعور في الجسم فتتفاعل مع مشاعر الشخصية سواء أحبتها أم كرهتها.
’’كانت
عيناي تحرقانني من الأبخرة، كما لو أن شخصًا قلب جفنيّ
وعصر فيهما ليمونة‘‘
عداء
الطائرة الورقية – خالد حسيني
مرة
أخرى يمنح خالد حسيني قارئه ما يستحقه، إنّه لا يذكر ’’الألم‘‘
رغم أنه يجعلك تشعر بالألم، إنه يضعك في قلب التجربة مباشرة.
قارن
بين نماذج التعبير عن مشاعر الشخصية بالتصريح والتعبير عنها بالوصف، لتعرف قوة كل
طريقة وأثرها في إثراء النصّ.
الإيماء
الطريقة
الثالثة من طرق التعبير عن مشاعر الشخصيات الرواية تكون بالإيحاءات التي تثير خيال
القارئ.
هذه
الإيحاءات ما هي إلا كشف لردة فعل جسد الشخصية تجاه الحدث أو بقية الشخصيات.
فعندما
تفتح الطفلة ذراعيها لمعلمتها سنفهم تلقائيًا المشاعر نحو هذه المعلمة، أمّا إذا اختبأت
الطفلة خلف ظهر والدتها فهذا يغنينا عن وصف مشاعر الرفض أو الكراهية أو الخوف
مباشرة.
احرص
وأنت تكتب روايتك أن تظهر ردود فعل الشخصيات في بعض المواقف عوضًا عن التصريح
المباشر بالشعور.
إنها
طريقة فعالة جدًا في نقل شعور الشخصية بطريقة غير لفظية تشبه التي نتصرف بها في
الحياة كبشر، مما يجعلها تمر سريعًا إلى عقل وقلب القارئ.
’’ارتبكت أمعائي ونضح جسمي بالعرق فلا شك أن هاتين المجنونتين
تنويان ارتكاب حماقة وتوريطي فيها‘‘
رماد
الصبّار – محمد عبد السلام السنوسي
استخدمت
هنا ردة فعل الجسم البشري الطبيعية عندما يرتبك الإنسان أو يفاجئ بالخطر، عوضًا عن
التصريح باسم المشاعر مباشرة ’’شعرت بالارتباك والقلق‘‘
مثلًا.
نصائح لاستخدام لغة الجسد في كتابة الرواية
- استخدم لغة الجسد أثناء كتابة الحوار كردّ فعل طبيعي على مشاعر الشخصية
- لا تفرط في اظهار لغة الجسد على بقية طرق التعبير عن المشاعر
جدول
التعبير عن مشاعر الشخصية باستخدام لغة الجسد
في
هذا الجدول بعض ردود الأفعال الطبيعية عن المشاعر والتي يمكن ملاحظتها عند أغلب
البشر.
يمكنك
وأن تكتب الرواية أن تحول لغة جسد الشخصية إلى تعبير عن مشاعرها مما يمنح نصّك ظلالًا
وعمقًا.
الشعور |
لغة الجسد |
الغضب |
سحب الحاجبين للأسفل فتح العينين على اتساعهما زمّ الشفتين عض الشفتين عض الخدين من الداخل شد الفك سرعة التنفس طنين الأذن التعرق |
الخوف |
سحب الحاجبين إلى الأعلى اتساع الفم صعوبة البلع التعرق آلام المعدة انحناء الكتفين إلى الأمام الارتعاش ضم اليدين على الصدر |
السعادة |
الابتسام الضحك القفز الغناء الرقص تعانق |