هناكَ بعض الأَسئلةِ التي لطالمَا شغلتَ بَالي، لماذا لا نجد عناوينَ روايات بوليسية أَو غموضٍ ضمن عناوين الروايات الفائزة في المُسابقات الأَدبيةِ العربيةِ؟ كيف استحقَ هذا الصنفُ تلكَ المكانةَ العالية في الأَدب الغربي في مُقابلِ "تحقيرهِ" في عالمنا العربي؟
لو تصفحنا عناوينَ الرواياتِ المتأهلة للقوائمِ
الطويلةِ أَو القصيرةِ للجوائزِ العربيةِ بدأ منْ جائزةِ كتارا أَو البُوكر إِلى
جائزةِ نجيب محفوظ منذُ نشأتها إِلى اليوم سنلاحظُ وجودَ أَصنافٍ أَدبية مُعينة تسودُ
القوائمَ مثل الرواياتِ الاجتماعية والسياسيةِ وحتى الرومانسيةِ لكن من الصعبِ أَن
نعثرَ ما بينَ الأَسماءِ على روايةٍ بوليسيةٍ.
لذلكَ شكلَ ترشح رواية "الفيلِ
الأَزرقِ" لأَحمد مُراد للقائمةِ القصيرةِ لجائزة البُوكر العربية لسنة 2014
مفاجأةً هائلة لقراءِ ونُقادِ وكُتابِ أَدبِ الجريمةِ حتى أَن البعضَ اعتبرها
"مصالحة" بين أَدب عالمِ الجريمةِ و المًسابقاتِ الكُبرى وإِن كانَ ذلكَ
لم يُضفي في الأَخير إِلى الحصولِ على أَي جائزةٍ.. وكأنَ الاعترافَ بأَدبِ
الغموضِ من قبلِ لجانِ القراءةِ المُحترفة والنُقاد كافٍ فهوَ في الأَول والأَخيرِ
انتصَار يحققهُ للمرةِ الأُولى أَدبِ الجريمةِ والغًموضِ.
هذهِ السنةِ أَيضًا (2021) تضمنت ترشيحات البوكر
العربية رواياتٍ بوليسيةٍ على رأسها رواية "قاف قاتل سين سعيد" للكويتي
عبد الله البصيص، وروايةِ ملف 42 للمغربي عبد المجيد سباطة، وبعيدًا عن المنحى
الدرامي-الاجتماعي الواضحِ في العملينِ فقدْ شكلتْ الروايتينِ خطوات ايجابيةٍ
أُخرى نحوَ تعميقِ حضورِ أَدبِ الجريمةِ في الساحةِ الأَدبية.
فمنَ الواضحِ أَنَ هُناكَ استعدادُ مبدئي
للقائمينَ على الجوائزِ لتقبلُ أَصنافٍ أَدبيةٍ مُختلفة عن السائدِ، وإِن كانَ يُعتبرُ
مجرد تحولٌ وترحيبٌ مُحتشمٌ لا يرتقي إِلى مرتبةِ الاحتفاءِ مُقارنةً بما تبذلهُ
المؤسساتُ الأَدبيةُ الغربيةُ من أَجلِ الرفعِ من قيمةِ ومكانةِ الأَدبِ البوليسي
بإعلان مُسابقاتٍ وجوائزٍ خاصةً بهِ.
فَالمُطلع على الوسط الأَدبِي الغَربي (أَمريكا-بريطانيا
اليابان-الدول الاسكندنافية) سيلاحظ دون شك كثرة الجوائز المُخصصة للأدب البوليسي:
-غولدن
داغر البريطانية.
-جائزة لوس
أَنجلس لأَدب التشويقِ والغموض
-جائزة
أَرسين لوبين
وهو ما يؤكد على مدى الاحترامِ الكبير الذي يخصهُ
النُقادُ لهذا الصنفِ وما الشعبيةِ الكبيرةُ له في الأَوساط الأَدبيةِ إِلا ترجمةٌ
ايجابيةٌ للتقديرِ الذي يحضى بهِ.
كان هُناكَ اعتقادٌ ببدايةِ ازدهارِ الروايةِ
البُوليسيةِ في العالمِ العربي كتابةً ونشرًا خاصة بعد ما سميَ بثورات الربيع
العربي وهو ما يُمكنُ أَن يخلقَ مصادرَ غزيرة لبناء أَدبٍ بوليسيٍ جادٍ، وإِن صحَ
هذا الظَنُ من جانبٍ ما إِلا أَن الواقعَ الأَدبي يبدو مُحتشمًا فلا يزالُ ينظرُ
إِليهِ كنوعٌ روائي رغم شعبيتهِ وتهاتفِ القُراءِ عليهِ (بغض النظرِ عن قيمتهِ
الفنيةِ) نظرةً سلبية باعتبارهِ أَدب المراهقينَ البعيدِ كلِ البُعدِ عن أَدبِ
"المُثقفينَ" المكبلينَ بهمومِ القوميةِ والانتماءِ والهوية.
لكنْ هذا لا يمنعنا من أَن نرصدَ مؤَخرًا نقطةً
مُفرحةً فقدْ سجلنا هذهِ السنةِ الاعلانَ عن جائزةً عربيةٍ خاصة بِفئة الروايات
البُوليسيةِ تتمثلُ في جائزة أَجاثا كريستي للرواية البُوليسيةِ 2021 تحتَ إِشراف
دار "خطوط وظلال" والتي قاربتْ على فتح أَبوابِ استقبالِ الأَعمالِ في
دورتها الثانيةِ.