استثمار الروائي في كتابة شخصية روائية لا تنسى، رهان لا يفشل أبدًا، فالقرّاء
غالبًا ما ينجذبون إلى الشخصيات أكثر من الحبكات، وذلك لأنَّ كلًا منّا يقرأ الأدب
بحثًا عن ذاته الضائعة، التي يرجو أن يعثر عليها بين ثنايا القصّة.
لكي تكون شخصيتك الروائية ذات حضور لافت في النصّ
القصصي، يجب أن ترسم لها منحنى، يعرض للقارئ مراحل نموها وتطورها، وهذا ما يسمّى
قوس الشخصية الروائية.
ما هو قوس الشخصية الروائية؟
إذا أردنا تعريف منحنى الشخصية أو قوس الشخصية الروائية،
فيمكننا القول أنه رحلة النمو والتطور التي تمر بها الشخصية، من المشهد الأول وحتى
المشهد الأخير.
إنها رحلة التغيير الداخلية التي تشرح للقارئ كيف تفاعل
هذا الشخص مع الأحداث والعواطف والأفكار التي قابلها في الرواية، وكيف ترك كل منها
بصمة ما على طريقته في تقدير الأمور، وقناعاته، ومشاعره.
يمكنك أن تتعرف على قوس الشخصية بوضوح في الروايات
العظيمة التي عني كتابها برسم شخصية لها نقطة بداية واضحة، ولها محطات معلومة
تتوقف عندها لتنمو وتتغير سلبًا أو إيجابًا.
اقرأ رواية ’’قطار الليل إلى لشبونة‘‘ للراحل باسكال مرسييه،
لتتعرف على رحلة معلم اللغات القديمة (ريموندوس غريغوريوس) من شخص على هامش
الحياة، إلى إنسان في عين الأحداث.
لماذا تحتاج إلى منحنى الشخصية في روايتك؟
قوس الشخصية يمنحها الواقعية، فهي مثل القارئ تمر بأيام
جيدة وأخرى رديئة، في الأولى يندمج القارئ معها فيفرح، وفي الثانية يندمج معها
فيحزن.
ومن هنا، يأتي تعلق القرّاء بالشخصيات الروائية، وتذكرهم
لها، مهما مضى الوقت.
أمّا الشخصية التي تنتهي بنفس الصفات، والأفكار،
والقناعات، والعواطف التي بدأت بها، فهي شخصية جامدة، لا يتفاعل معها القارئ.
أنواع قوس الشخصية
توجد عديد التصنيفات لأنواع أقواس الشخصيات الروائية،
وإن كان الحديث يدور - في الغالب – عن ثلاثة
أنواع هي:
- قوس الشخصية الإيجابي
- قوس الشخصية السلبي
- قوس الشخصية المسطح
ما هو قوس الشخصية الإيجابي؟
يشير قوس الشخصية الإيجابي إلى أن هذه الشخصية في قصتك
سوف تواجه تحديات وصعوبات، توثر فيها وتتأثر بها، فتغير من بعض صفاتها، أو
قناعاتها، أو مشاعرها، أو واقعها السيء، لتصبح في نهاية الرواية شخصًا أفضل مما
كان عليه.
لمن استخدم قوس الشخصية الإيجابي؟
نظريًا، يفضل استخدام هذا النوع من منحنى الشخصية
الروائية مع الشخصيات الأساسية في القصة.
وذلك، لأن القارئ يحب أن يرى ’’البطل‘‘ – إن جاز التعبير
– ينجح، ويتغلب على الصعوبات، ويقهر التحديات، وهذا يُشعر القراء بالرضا، لأنها
تظهر أن النمو ممكن مهما كانت التحديات، وهذا الأمل ما يحتاج إليه الناس في كل
زمان ومكان.
يشبع المنحنى الإيجابي للشخصيات الروائية الرغبة في
تصديق أن المستحيل ممكن، فيتماهى القارئ مع الشخصية، ويصبحان في النهاية شخصًا
واحدًا.
كيف ترسم قوس الشخصية الإيجابي؟
- تبدأ الشخصية باعتقاد خاطئ عن نفسها أو الآخرين أو العالم
- تتفاعل الشخصية بطريقة سلبية مع الأحداث والشخصيات الأخرى، وفقًا لهذا الاعتقاد الخاطئ، مما يعمق الصراع، ويتسبب في أضرار للشخصية
- تتعرض الشخصية إلى اختبارات قاسية، تدفعها إلى إعادة التفكير في القناعات الخاطئة، والبحث عن الإجابات الصحيحة
- تختبر الشخصية الحياة بعد تغيير قناعاتها الخاطئة، فتنمو إيجابيًا، وتصبح شخصية أكثر إنسانية
تطبيق:
- أب يظنّ أنّ مهمته الأساسية توفير المال لابنه، مما يجعله يغيب عن لحظات استثنائية في حياة الطفل مثل حفل تكريمه في المدرسة، أو خضوعه لعملية جراحية.
- يصرّ الأب على قناعته مما يتسبب في تصاعد الصراع مع الأم وتصدع العلاقة الزوجية، في نفس الوقت يميل الطفل إلى إجراء محادثات مع راشدين أغراب على الإنترنت، لتعويض غياب والده.
- يختطف الطفل بعد احتيال شخص عرف بظروفه العائلية عن طريق الإنترنت، ويطالب والده بدفع فدية مالية كبيرة، مما يجعل الأب يعيد التفكير في قناعته الخاطئة (المال أولى من الرعاية)، ويبحث عن الإجابة الصحيحة عن طبيعة علاقته مع ابنه وزوجته.
- تختلف حياة الأب بعد عودة ابنه سالمًا من الاختطاف، فتقوى العلاقة بينهما، كما يعيد ترميم علاقته مع زوجته، ويشعر بالسعادة الحقيقية.
هذا رسم كروكي للقوس الإيجابي للشخصية، ربما تكون قد
مررت به في أفلام السينما، أو في الروايات البسيطة، الغرض منه أن تفهم آلية العمل،
لتستطيع تطبيقها على ما لديك من شخصيات وحبكات.
ما هو قوس الشخصية السلبي؟
إذا فهمت القوس الإيجابي، فسيمكنك تخمين ما هو منحنى
الشخصية الروائية السلبي؟
فالشخصية هنا، تستمر في اتخاذ القرارات السيئة (يجب أن
يكون هناك مبرر معقول)، إلى أن تنتهي إلى نقطة أكثر سوءًا مما بدأت منه.
لمن استخدم قوس الشخصية السلبي؟
نظريًا أيضًا، يستخدم القوس مع شخصية ثانوية تعمل كمقابل
للشخصية الرئيسية، فعندما نريد أن نقنع القارئ أن شخصيتنا الأساسية تستحق هذا
النجاح في النهاية، نعرض نموذجًا خاض تحديات مشابهة لكنه آثر اتخاذ القرارات
السيئة، فكانت نهايته سيئة.
في مقالنا عن الحبكات
الفرعية تناولنا نفس الفكرة تقريبًا، فهناك ما يسمى بالحبكة المعكوسة التي
تؤدي دور المرآة، وفيها تظهر نتائج اتخاذ قرارات مخالفة لقرارات الشخصية الرئيسية.
فإذا
كانت حبكة الرواية الرئيسية عن لصين يخرجان من السجن بعد قضاء فترة العقوبة، فيحاول
أحدهما الاندماج في المجتمع بطريقة مقبولة فعلى الشخص الآخر أن يواصل طريق الجريمة.
ليرى
القارئ في النهاية وبعد جميع التحديات والصعوبات التي واجهت الشخصية الأولى أنّها نجحت
في مهمتها، وأصبحت فردًا مقبولًا في المجتمع، في حين انتهى الأمر بالشخصية الثانية
إلى السجن أو القتل.
وربما
من أبرز الشخصيات التي كتبت بطريقة القوس السلبي، شخصية سعيد مهران في رواية اللص
والكلاب، للأديب المصري نجيب محفوظ.
ما هو قوس الشخصية المسطح؟
لا
أعرف، ما إذا كان يصح أن نطلق عليه قوس أو منحنى، أم لا؟، فالشخصيات المسطحة لا
تتخذ في القصة قرارات مصيرية سلبية أو إيجابية، ومن ثمّ فهي لا تتطور ولا تنمو.
ويقبل
بوجود هذه الأنماط كشخصيات هامشية داعمة للحبكة والأحداث، لكنها لا تحمل القصة،
ولا يفترض بها أن تكون شخصيات ذات ثقل في النصّ الروائي.
كيف تكتب منحنى شخصية روائية قوي؟
- حدد ما الذي عليه الشخصية عند بداية القصة، وأين يفترض أن تصل في النهاية؟
- حدد ما القناعة الخاطئة لدى الشخصية، وكيف تؤثر في قراراتها، وعواطفها، وأفكارها؟
- حدد من سيتضرر من هذه القناعة وما يترتب عليها من قرارات بالإضافة إلى الشخصية، وكيف سيؤدي ذلك إلى تصاعد الصراع.
- حدد نقطة التحول التي ستدفع الشخصية إلى إعادة تقييم قناعاتها، والبحث عن إجابات جديدة؟
- أضف المزيد من التحديات للشخصية، وضاعف الصعوبات والاختبارات حتى يصل إلى القناعة الجديدة بطريقة مقنعة.
- اجبر شخصيتك على خوض مهام تبدو مستحيلة، ثم امنحه النجاح تارة والإخفاق تارة، لإضفاء الواقعية، وزيادة تعاطف القراء معه.
- لا تصنع شخصيات مثالية، فلكل منّا نقاط ضعفه وعيوبه الشخصية
- افهم شخصيتك جيدًا بناء على قصتها الخلفية، لتستطيع الإجابة عن الأسئلة الضرورية مثل ما هي ردة فعله في الأزمات؟، ما هي النقطة العمياء عنده؟، ما هي نقطة اللاعودة لديه؟
- تأكد أن قوس شخصيتك يشير إلى تغيير داخلي في الشخصية، وليس في الظروف الخارجية المحيطة بها.
- استخدم قوس لكل شخصية في روايتك، وفقًا لموضوعها، ولطبيعة دور الشخصية في الرواية.