كتابة الرواية رحلة صعبة لكنّها ماتعة، إنها تشبه رحلة بحذاء شاطئ البحر، في ليلية صيفية، تحت سماء متلألئة بالنجوم ولكن على ظهر جمل!
وكما يحتاج الأمر وقتًا كي تعتاد الجلوس بأريحية فوق سنام الجمّل، ستحتاج وقتًا كي تكتب بأريحية متجنبًا أخطاء البدايات.
أخطاء في كتابة الرواية
- البداية الشاحبة
- البدء بالقصة الخلفية
- الكتابة المباشرة
- الحوار المترهل
- النهاية المخادعة
تفصيل أخطاء كتابة الرواية
سنقدم في هذا المقال بعضًا من أشهر أخطاء كتابة الرواية التي يقع فيها المبتدئون، كي تتجنبها في نصّك القادم.
البداية الشاحبة
ليس أسوأ من أن يفتتح الروائي نصّه ببداية باهتة، شاحبة، لا روح فيها، ولا قدرة لديها على الإمساك بتلابيب القارئ.
ربما هؤلاء الكتاب لم يسمعوا المقولة الشائعة ’’الانطباعات الأولى تدوم‘‘، لذا يستهلون رواياتهم بأحداث فاترة لا تقذف بالقارئ مباشرة في قلب المعركة.
عندما تبدأ روايتك بمشهد اعتيادي تستيقظ فيه الشخصيات من نومها، ثم تذهب إلى الحمام، ثم تتناول الإفطار، ثم تذهب إلى العمل فلا شك أنك قد افتتحت روايتك بنقطة ميّتة.
بداية الرواية أشبه بالخطاف الذي يتشبث بيدي القارئ، المغناطيس الذي يجذب عقله إلى روايتك، المدخل السحري إلى عالم الخيال. فلماذا تفقد كلّ هذه الميزات ببداية تقليدية؟
وظيفة بداية الرواية أن تفجر الأسئلة في ذهن الجمهور. من هذه الشخصية؟ لماذا حدث لها ما حدث؟ إلام تسعى؟ ما هي دوافعها؟ ما الذي يخبئه لها القدر؟
لذلك حرصت أن أبدأ روايتي الأولى بداية صادمة، غامضة تترك خلفها أسئلة عدّة، تحفز على الاستمرار في القراءة.
مات أبي اليوم. قُتل بعد خمس سنوات من التعذيب في أقبية الأجهزة الأمنية، القنوات الفضائية المعارضة التي تبث من خارج البلاد تذيع الخبر على مدار الساعة، ورفاقه في النضال الثوري يساهمون بمداخلات حماسية من منافيهم يؤكدون فيها أن اغتياله سيفجر ثورة تسقط النظام.
رواية رماد الصبّار
البدء بالقصة الخلفية
القصة الخلفية هي ماضي الشخصيات الروائية الذي يكشف لنا كيف صاروا إلى ما هم عليه، وتوضح لنا دوافعهم.
ورغم أهمية القصة الخلفية في بناء الرواية، فإن البدء بها أو إقحامها في الفقرات الأولى يعطل السرد، ويقذف بالقارئ إلى الماضي قبل أن يثبت أقدامه في الحاضر.
تقول نانسي كريس مؤلفة كتاب ’’تقنيات كتابة الرواية‘‘
المشكلة مع القصة الخلفية أنها منتهية، فهي تخبرنا عن أحداث من الماضي وليس من حاضر الرواية، بالتالي فهي تفتقد إلى عنصر الفورية، والأسوأ من ذلك أنها تقاطع أحداث القصة، وتفقدها الزخم. فالقصة الخلفية في الرواية أشبه بالإعلانات التلفزيونية، تَوَقُف يفسح المجال للمشاهد بالانسحاب، وإحضار بعض الطعام، وربما فقدان اهتمامه بما يشاهده.
ولمّا كان استعمال القصة الخلفية لا بد منه في بعض أنواع الروايات، توجب على الكاتب أن يختار المكان الصحيح لاستعماله. ودون شك هذا المكان ليس الفقرات الأولى من الرواية.
الكتابة المباشرة
استخدام تقنية الكتابة المباشرة التي تصف كلّ حدث، وكل شعور، وكل فكرة للشخصيات بكلمات واضحة صريحة قد يكون أسلوبًا لدى البعض، لكنّه ليس الأسلوب الأفضل.
في كثير من الوقت – إن لم يكن في كلّ الوقت – يريد القارئ أن تتعامل معه بنديّة، فإن كنت كاتبًا محترفًا فهو قارئ محترف كذلك.
القارئ لا يرغب أن تستهين بقدراته، أو أن تقدم له كلّ تفاصيل الرواية على طبق من فضّة. أغلب القراء يريدون أن يعملوا عقولهم في النصّ، وأن يفكوا شفرة الشخصيات مما بين السطور.
ولعلّه من المفيد أن نستشهد بمقولة إدواردو غاليانو
أنا لا أطلب منك أن تصف سُقوط المطر ليلة وصول كبير الملائكة، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل.
والمعنى أن النص العظيم هو ذلك النص الذي يدفع القارئ إلى استعمال حواسه الخمس أو الستّ إن شئت في التفاعل معه.
قارن بين هذه النصوص التي أوردتها الكاتبة بثينة العيسى في كتابها ’’الحقيقة والمعنى‘‘ لتكتشف الفارق بين النصّ المسطح المباشر، والنص الأدبي متعدد الطبقات.
نص مباشر
«كانت آمو ما تزال غاضبة من راحيل»
النص الأصلي
«علمت راحيل، من الوضعية التي اتخذها رأس آمو، أنها ما تزال غاضبة»
نص مباشر
«كان « إستا » قد تبلل حتى أذنيه»
النص الأصلي
«لمعت قطرة مطر في نهاية شحمة أذن « إستا »، سميكة وفضية في الضوء، مثل خرزة ثقيلة من الزئبق»
الحوار المترهل
كتابة الرواية عملية انتقائية بالأساس، بمعنى أن الروائي لا يكتب كلّ ما يحدث في الحياة الواقعية ولكن ينتقي ما يصلح لبناء المعمار الروائي، ويخدم تقدم الأحداث، وتأجيج الصراع، وكشف الشخصيات.
ومن ثمّ فإن الحوار يجب أن يكون عنصرًا فاعلًا في النص، وكل حوار لا يخدم بناء الرواية حوار زائد يجب بتره دون رحمة.
ماذا يستفيد القارئ عندما يقرأ حوارًا مثل هذا بين شخصيتين:
- صباح الخير يا أحمد
- صباح الخير يا منى
- كيف حالك اليوم؟
- بخير الحمد لله.
- هل وقعت في دفتر الحضور.
- ليس بعد
لا يمكن للرواية التي تعتمد في أساس بنائها على مبدأ التكثيف أن تسمح لهذا الترهل أن يعيق تقدمها أو يبطئ سير أحداثها.
الحوار الجيد يجب أن يشكل إضافة للقارئ، ويحافظ على إيقاع الرواية، ويكشف الشخصية، ويظهر طبيعة العلاقات بين الشخصيّات، وقبل كلّ هذا يكون موجزًا.
وهذه النقاط أكد عليها كثير من كبار كتاب الرواية والنقاد الأدبيين، فيقول كيرت فونيغت ’’كلّ جملة لا بد أن تحقق أحد أمرين: إمّا أن تكشف عن شخصية، وإما أن تدفع بالحدث‘‘.
وتقول إليزابيت بوين ’’يجب على الحوار أن يدفع بالحبكة، أو أن يعبّر عن الشخصية‘‘.
وهنا يمكننا أن نشير إلى نوعي الحوار اللذين يمكن أن يستخدمها الكاتب وهما:
- الحوار الصريح
- الحوار الضمني
النوع الأول هو إجراء محادثة بين شخصيات الرواية، كما هو مألوف، على أن تلتزم المحاثة بالقواعد السابق ذكرها.
كتب الروائي السوداني ’’حمّور زيادة‘‘ في رواية ’’شوق الدرويش‘‘:
- تنميّت لو أسعدتك. أنا ما وهبتك إلا حزنًا.
يقول في عناد: كنت سعيدًا، وسأموت وأنا أحاول أن أردّ دينكِ. سأسعدكِ.
- كالعادة متأخر. لا شيء يسعدني الآن.
النوع الثاني هو تضمين كلمات الحوار في جملة سردية واحدة، ويستخدم في المحادثات التي تعطّل إيقاع الحكي.
فإذا عدنا لنموذج الحوار المترهل الذي ذكرناه سابقًا، فإن الروائي يمكنه أن يختزل كلّ هذه الكلمات في جملة سردية واحدة مثل ’’تبادلت مع منى تحية الصباح، وعندما سألتني هل وقعت في دفتر الحضور، أجبتها بالنفي‘‘.
النهاية المخادعة
من الأخطاء الأكثر شيوعًا عند كتابة الرواية أن يلجأ الكاتب إلى نهاية متعسفة بعيدة تمامًا عن السير الطبيعي للأحداث.
ويحدث هذا الأمر في صور متعددة منها أن يفاجئ الكاتب جمهوره أن ما قرأوه خلال مئات الصفحات كان حلمًا أو كابوسًا.
وقد يظهر كذلك عندما يدخل الكاتب في نهاية الرواية شخصية جديدة لا يعرف عنها القارئ شيئًا لتحلّ العقدة وتنهي الصراع.
وفي بعض الأحيان يلجأ الكتاب عندما تعييهم الحيلة إلى استلهام أسلوب الأفلام العربية، فيستخدمون التدخل القدري للتخلص من الرواية وصناعة نهاية لها.
ونشرنا على موقع الروائي في مقال سابق عن كيفية كتابة نهاية مؤثرة للرواية، وفيه بعض المواصفات التي تصنع نهاية جيدة ومنها:
- أن يتمثل الكاتب النهاية في ذهنه منذ بداية الرواية ليمهد لها ويرعى نموها في كل أجزاء العمل.
- أن يحرص على أن تكون الشخصية الرئيسية للرواية حاضرة في بؤرة النهاية، فهي التي تصنعها ولا تصنع لها.
- أن يتجنب الكاتب اللجوء إلى المصادفات والحوادث القدرية وأن تكون النهاية نهاية فعلية للصراع.
ملخص مقال أخطاء كتابة الرواية
- احذر المقدمة الشاحبة
- تأنّ في ادخال القصص الخلفية للشخصيات
- تخلّص من أسلوب الكتابة المباشر
- ابتر الحوار المترهل دون رحمة
- تجنب النهايات المخادعة