recent
أحدث المقالات

أسئلة وإجابات عن كتابة الرواية (ج -2)

 كما نشرنا في الجزء الأول من أسئلة وإجابات عن كيفية كتابة الرواية، فإن هذه السلسة نتاج الأسئلة التي طرحها قرّاء موقع كورا بالعربي على حسابي الشخصي.

وقد رأيت أنه من المفيد مشاركتها على مدونة الروائي، لأنها تجيب عن أغلب ما يدور في أذهان كلّ من يبدأ مشروعه في تأليف الروايات، وتقف بعض المعلومات الأساسية حائلًا دون استكمال نصّه الأول.

أسئلة وإجابات عن كتابة الرواية (ج -2)


أرجو أن تكون هذه السلسلة مفيدة لكل من يسأل عن طريقة كتابة الرواية، أو خطوات كتابة رواية ناجحة، أو كيف تؤلف كتابك الأول.

كما يسعدني تلقي المزيد من الاستفسارات على حسابي الشخصي على موقع كورا بالعربي محمد السنوسي.

هل تخصص اللغة العربية يساعد في كتابة الروايات، ويجعل الشخص فصيح اللسان؟

ينظر إلى اللغة عامة في الكتابة الروائية على أنها ’’وسيط‘‘ يحمل الأفكار والعواطف والوصف إلى القارئ. وكلمّا كان الوسيط فعالًا، كان التأثير – لا شك – أكبر.

كما أن جودة اللغة تحكم السرد الذي يعد أكثر عناصر هذه العملية أهميّة، فما يميّز سرد متقن عن سرد ردئ، قدرة الكاتب على توظيف أجزاء اللغة ومكوناتها.

ومع ذلك، فإن اللغة وحدها لا تنشئ رواية، ولا تبني حكاية متماسكة، إذ أن هناك مقوّمات أكثر فنيّة في هذه الصناعة.

وفي ظنّي، الذكاء اللغوي أو البلاغة جزء أصيل من تكوين الروائي ولكنّه ليس العنصر الأهم في شخصية الكاتب، فالقدرة التخيّليّة هي الأصل.

بعض الكتّاب العظماء عالميًا تميّزوا ببساطة كتاباتهم حدّ التسطح اللغوي مثل إرنست هيمنجواي لكنّ روعتهم كانت في القدرة على البناء المحكم للقصة. الروائي الجيّد ’’مهندس‘‘ في الأساس، لديه تلك النظرة البعيدة لملء فراغٍ ما بحكاية محكمة الأركان. أم هل تظنّ أن عامل الدّهان يستطيع التخطيط لبناء ناطحة سحاب ثمّ تنفيذ هذا المخطط على الأرض بالفعل؟!

وهكذا الشخص البليغ مثل عامل الدهان الذي يأتي بعد وضع أساسات البناء، وبناء الجدران، ومدّ خطوط الكهرباء والماء، ليضيف الألوان المتناسقة (اللغة) ليظهر البناء في صورته النهائية.

لذا أقول؛ الأصل في الروائي ’’المخيّلة‘‘ ثم يأتي بعدها كلّ شيء. أمّا فصاحة اللسان فلا تبلغ بالتعلم وحسب، وإنما تحتاج إلى الممارسة والمخالطة.

أنا أكتب رواية وأريد أن أجعل الشخصية الرئيسية يتم اختطافه و هو رضيع كيف يمكنني كتابتها. هل يستطيع أي أحد مساعدتي؟

هناك أكثر من طريقة لعرض أحداث الرواية عندما تكون الشخصية الرئيسية عاجزة عن التحدث عن نفسها، وأشهر هذه الطرق (الراوي العليم).

أي أن يكتب النصّ وكأن الراوي شاهد ما حدث وكان هناك لحظة بلحظة.

تختلف مستويات الراوي العليم، فيمكن أن يكون ملمّا بالأحداث الخارجية فقط، ويمكن أن يكون مُلمًا كذلك بالمشاعر والأفكار. كما يمكن أن يكون حاضرًا في مكان وزمان واحد، أو قادرًا على التنقل بين الأزمنة والأماكن.

مثال من روايتي ’’خبز الرب‘‘ 

رغم ذلك نهض أبانوڤ‍ا نشيطًا، أكمل العدو في خط مستقيم نحو وشوشة بحر النيل، وعندما لاح ماؤه الراكد بخضرته، خلع جلبابه، وقفز ليغتسل من دم أخيه، وتراب الأرض، والبَّق، وجُعل القصب الأسود الذي قرّصه وبقع جلده. كان في حلقه مرارة كمذاق الدمسيسة التي أجبرته أمّه يومًا على شربها ليطهر معدته، فكسر عودين من القصب، ومصهما متلذذًا بحلاوة عصيرهما قبل أن يواصل العدو في اتجاه الكنيسة.

وهناك طريقة أخرى أن تحكى الأحداث بواسطة ’’شاهد‘‘ أي شخص كان حاضرًا أثناء الاختطاف وما بعده، لينقل لنا ما حدث بدقة بديلًا عن الرضيع، كأن تكون مثلًا امرأة استئجرت لإرضاع الطفل، أو زوجة الخاطف، إلخ.

مثال رواية (رواية غاتسبي العظيم) للمؤلف ف. سكوت فيتزجيرالد

طريقة ثالثة، التعريف بالأحداث باستخدام الوسائط، مثل نشر خبر اختطاف الطفل من جريدة، ثم صورة من محضر التحقيقات، إلخ.

كيف ابدأ بكتابة روايتي؟، أواجه صعوبة في الاسترسال في السرد وبدء المقدمة رغم حضور النص في بالي فكيف يمكنني حل ذلك؟

كما يبدو من السؤال فإنها روايتك الأولى، ومن هنا فإن هذا العارض طبيعي تمامًا وقد مرّ به أغلب الكتاب في نصوصهم الأولى. لذا، لا تقلقي أبدًا وعليك التعامل مع هذه المشكلة على أنها من تحديات البدايات ليس أكثر، وسوف تتغلبين عليها بإذن الله تعالى.

إذا كان من نصائح عملية من وحي التجربة الشخصية والقراءة حول هذا الموضوع، فأوصي بالتالي:

  • كتابة مخطط للرواية

كتابة مخطط للرواية أحد الحلول المثالية لتخطي مشكلة توقف السرد في منتصف المشهد الأول أو الفصول الأولى.

والمقصود بمخطط الرواية أن تكتبي جميع الأحداث الرئيسية في نصّك في نحو صفحتين أو ثلاث، وكأنها ملخص للعمل يشبه العمود الفقري.

فمثلًا تبدئين من نقطة البداية مرورًا وما يتبعها من أحداث ’’رئيسية‘‘ تؤدي إلى أحداث النهاية.

يساعدك مخطط الرواية على تفريغ الأحداث الرئيسية في شكل مشاهد قصيرة متتابعة تشرحين في كل واحد منها الحدث الرئيس، وانعكاساته على الشخصيات بما يظهر خصائصها، وبالطبع يتيح لك الفرصة لتقديم الإعدادات الخاصة بكل مشهد مثل الفضاء (المكان) والزمان، إلخ.

  • حبكة الفصول الثلاثة

يوصى للكتاب الجدد أن يعتمدوا في نصوصهم الأولى على أسهل وأبسط الطرق لإنجاز العمل، وأن يختاروا حبكات مألوفة سبق لهم التعرف عليها في روايات مؤلفيهم المفضلين.

وحبكة الفصول الثلاثة التي تقسم الرواية إلى مقدمة تتضمن التعريف بالشخصيات والحدث الرئيس، ثم الصراع وتشابك الأحداث، ثم النهاية التي يحل فيها الصراع وتنمو فيها الشخصيات.

  • حبكة رحلة البطل

استخدام ما يعرف بحبكة رحلة البطل تقنية شائعة أشبه بخارطة توفر للكاتب مراحل وخطوات يمكنه السير عليها من البداية إلى النهاية. وهي تتضمن نحو 12 خطوة في الغالب، ويمكن تطبيقها على أنواع كثيرة من النصوص.

تعرفي على شرحٍ واف لحبكة البطل من كتاب ’’دليل السيناريست‘‘ لمؤلفه كريستوفر فوغلر، والكتاب مترجم ومتاح مجانًا على الإنترنت.

هذه بعض النصائح المجملة من واقع تجربتي الشخصية، أتمنى أن تكون نافعة لك، وتساعدك على إنهاء نصك الأول.

هل يمكنني التحدث في روايتي بشخصية لست أنا وأسرد على لسانها رواية؟

لم أفهم سؤالك تمامًا، ومع ذلك، فإنّ هناك أكثر من طريقة للسرد في الرواية وعرض ما يعرف بوجهة النظر، ومنها:

  • السرد بصوت الراوي

وفيها تسرد الأحداث الشخصية الرئيسية في الرواية، وفي هذه الحالة تكون محيطًة فقط بما يمكنها الإحاطة به من حوادث ومشاعر وأفكار، وهذا التيار أكثر شيوعًا حاليًا، ومن أمثلته روايات (شوق الدرويش)، و(صديقتي المذهلة)، و(إيلينا تعرف).

  • السرد بصوت الشاهد

وفيها تسرد الأحداث شخصية عاصرت الحدث وكانت شاهدة عليه، لكنّها ليست الشخصية الرئيسية، وتتيح هذه الطريقة تدخل الراوي لتوضيح بعض الوقائع، ومن أمثلة هذا النوع رواية (جاتسبي العظيم).

  • السرد بصوت الراوي العليم

وهنا يقصّ الكاتب بنفسه عن جميع الأحداث والشخصيات، وتتفاوت درجة علمه بكل شيء، لكنه في الغالب يكون شديد المعرفة بكل المشاعر الداخلية والأحداث الخارجية، وهذا هو النمط الذي تسير عليه أغلب الروايات الكلاسيكية مثل روايات نجيب محفوظ، ودستويفسكي، وغيرهم

  • تعدد الأصوات

وفي مثل هذا النوع من الروايات يحرص المؤلف على وجود أكثر من راوٍ للأحداث لتعرض كلّ شخصية الوقائع من منظورها الخاص. وليس هناك حد أقصى لعدد الرواة في النصّ الواحد، إذ كتب بعضهم روايته بخمسة رواه. من أمثلة هذا الأسلوب رواية (الزوجة المفقودة).

هذا بشكل سريع وعاجل الطرق التي يستخدمها المؤلفون لسرد رواياتهم، وسوف ينفعك أن تكثري من قراءة الروايات قبل الكتابة لتتعرفي على مميزات وعيوب وخصائص كل أسلوب من أساليب عرض وجهات النظر.

كيف أكتب شخصية هزلية قوية من الناحية الكتابية؟

تكمن صعوبة كتابة شخصية ’’هزلية‘‘ في كونها مصنّفة ضمن الأنماط البدائية؛ أي الشخصيات التي لدى كلّ قارئ صورة مسبقة عنها، ظهرت في مرحلة ما من مراحل حياته، ومن هنا فغالبًا ما تخضع الشخصيات الهزلية المتخيّلة للمقارنة مع الأنماط التي لدينا جميعًا في اللاوعي!

أفضّل أن تُكتب الشخصية لأنّه يجب أن توجد في النصّ، بمعنى أن يكون لها دور، وأن يكون لطبيعتها الهزلية هدف مثل تخفيف جرعة التراجيديا في العمل، أو لإظهار التناقضات مع الشخصيات الأخرى أو في المجتمع، إلخ. وإن كان الضحك في ذاته ليس مرفوضًا أيضًا، شريطة ألّا يمثل عبئًا على الأحداث والحبكة الرئيسية.

عليك بعد ذلك أن تعصف ذهنك لتحدد من أين ستخرج الكوميديا من شخصيّتك؟، وهل هذا المخرج متناغم مع بقية صفاتها؟!

هل تصدر الفكاهة من المظهر الخارجي للشخصية؟، من طريقة كلامها؟، من لهجتها الغريبة؟، من صراحتها الفجّة؟، من تعليقاتها القاسية؟، من جهلها أو نقص معارفها؟، من اصطدام قيمها مع قيم البيئة من حولها؟، من غرابة أطوارها؟

تنفجر الكوميديا في النصوص غالبًا من ’’التناقض‘‘، وهذا ما يجب أن يتعلم المؤلف كيف يوظفه لصالح موضوع روايته. ومدرسة التناقض هي المدرسة الأكثر شيوعًا في عالم الفكاهة المحكيّة، وتعتمد على أن تضع القارئ/السامع في موقف يظنّ أنه غريب أو غير مألوف، مما يخلق لديه انطباعات وتوقعات خاطئة، ثم تكشف له لاحقًا عن حقيقة الموقف، فيضحك على سوء فهمه. (وهي نظرية بناء النكتة - المزحة الشعبية- بالمناسبة).

بالطبع هناك قوالب جاهزة للشخصيات الهزلية في الأعمال الفنيّة مثل الأحمق، والكسول، والبخيل، والجبان، وكلّ شخصية لديها ’’عيب‘‘ يمكن توظيفه لخدمة الفكاهة في النص.

خذ الوقت الكافي لتحليل ودراسة الجوانب المختلفة التي قررت دمجها في هذه الشخصية، وتحديد سمة أو صفة شخصية يمكنك المبالغة فيها، وإبرازها من زاوية هزلية، فكما تعرف يمكن أن يظهر المؤلف الصفة بأكثر من طريقة.

الشخصية الحمقاء - مثلًا - يمكن أن تدخل النصّ لتثير شفقة القارئ، كما يمكن ابتكارها لتثير ضحكه، وقد يفضل البعض أن يستخدمها لإثارة الغضب، وهكذا.

برأيك، ما هو أفضل مقياس لنجاح الأعمال الأدبية؟

هناك عدّة معايير للنجاح في مجال الأعمال الأدبية منها:

  • الأفضل مبيعًا

ينظر إلى الروايات التي تعتلي قائمة الأعلى مبيعًا (Best seller)، على أنها روايات ناجحة، وهذا يتولد عنه ترويج ذاتي للكتاب، مما يجعله ينتشر بشكل أكبر.

  • الحصول على جائزة

من المعايير الهامة – في ظنّي – حصول الرواية على جائزة أدبية مرموقة محليًا أو إقليميًا أو عالميًا. وغالبًا ما تكون هذه الروايات جيّدة بالفعل نجح كاتبها في تقديم جديد أو صوت مميز.

  • الشعبية والجماهيرية

بعض الروايات لا تنجح في الحصول على جوائز، ولا يعد كاتبها ضمن قائمة الأعلى مبيعًا، ومع ذلك، تحظى الرواية بشهرة واسعة، ويقتبس منها الجميع دون حتى أن يعرفوا اسمها أو اسم مؤلفها.

وربما هذه يحدث مع الروايات الكلاسيكية التي لم تعد تطبع، أو لا تسمح لوائح الجوائز لها بالمشاركة.

أمّا بالنسبة لي شخصيًا، فإن معيار نجاح الكاتب وصفته هذه الجملة بدقة، دون إغفال – بالطبع – لما سبق من معايير:

أن تؤلف كتابًا، أن يقتنيه غريب، في مدينة غريبة، أن يقرأه ليلاً، أن يختلج قلبُه لسطرٍ يشبه حياتَه، ذلك هو مجدُ الكتابة.

 

google-playkhamsatmostaqltradent