قفلة الكاتب أو حبسة الكتابة أحد أشهر التحديات التي تواجه المؤلفين، وكتّاب الرواية، والمبدعين عامة.
وتتسبب حبسة الكاتب في توقف استكمال النصوص، أو حتى العجز عن الشروع في
كتابة روايات جديدة لمدد مختلفة، قد تكون ساعات كما قد تكون أعوامًا.
هذه التدوينة محاولة لفهمٍ أفضلٍ لعدم قدرة الكاتب على التعامل مع الصفحة
البيضاء، وصعوبة تجاوز السطر الأول في روايته، والمعالجات المقترحة لما يعرف
عالميًا بـــ(Writer’s block).
ما هي قفلة الكاتب؟
قفلة الكاتب كما يتضح من اسمها تشير إلى حالة من العجز عن التأليف.
في بعض الأحيان تكون هناك فكرة في ذهن المؤلف، لكنه لا يستطيع تحويلها إلى
نصّ مكتوب، ومن ثمّ يظل عقله يصخب بها، مما يتسبب في توتره واكتئابه.
تأتي حبسة الكاتب في صورة متعددة مثل:
- العجز الكامل عن الكتابة
- قلة عدد الكلمات المكتوبة عن معدل الكاتب المعتاد
- الشعور بصعوبة صياغة الأفكار الذهنية في شكل جمل وفقرات وكلمات.
هل حبسة الكتابة شائعة؟
يشكو عدد غير قليل من ممارسي
الأعمال الإبداعية من حبسة الكتابة، وإن كان البعض ينفي وجود هذا الأمر تمامًا،
معتقدًا أن حبسة الكتابة ليست سوى صورة من صور عدم اكتمال فكرة القصة في ذهن
المؤلف.
أسباب قفلة الكتابة
لا شك أن لكل إنسان ظروفه الخاصة التي يؤدي مجموعها إلى الحالة الذهنية أو
النفسية التي تتسبب سدّة الكتابة.
ومع ذلك، فإن هناك ظروف عامة ومناخات متشابهة، تدفع إلى تذبذب مستوى الإنتاجية
عند المبدعين، ومنها:
المعايير القياسية
كما ذكرنا في مقال كيفية كتابة رواية للمبتدئين، فإن ارتفاع مستوى النقد الذاتي، ووضع أسقف مثالية
للعمل قد يكون من أهم أسباب حدوث قفلة الكتابة.
فالعقل سيتعامل لا إراديًا مع كلّ ما تفكر فيه على أنه دون المستوى، ومن
ثمّ سيرفض إخراجه إلى الورقة البيضاء، ظانًا أن ذلك سيحميه من النقد وسخرية
الآخرين.
ومن هنا، فإن أفضل ما يمكنك عمله، أن تخدع عقلك بأن هذه مسودة ليست للنشر،
ولن يطلع عليها أحد، وما هي إلا تجارب كتابية شخصية جدًا.
إذا كان من نصيحة عملية في هذا الشأن، فهي أن الروايات الجيدة ليست التي
تكتب من المحاولة الأولى، وإنما هي الروايات التي تعاد كتابتها، وتنقح عشرات
المرات قبل الدفع بها إلى يدي قارئ أو لجنة قراءة في دار نشر.
لا تحاول أن تجعل المسودة الأولى ’’رائعة‘‘ لأنها لن تكون كذلك، فهي المكان
الذي تتجمع فيه نسبة 100% من الأخطاء والأشياء المتضاربة والمتعاكسة.
المسودة الأولى ليست سوى سور حظيرة تجمع فيها الجياد الشاردة، والحظيرة دائمًا ما تكون مَلاَنَة بالأوساخ والروائح الكريهة والفوضى العارمة.
وهكذا ستكون مسودة روايتك الأولى، فلا تبتئس.
محمد السنوسي
الإرهاق البدني
في كثير من الأحيان يكون سبب حبسة الكاتب الإنهاك البدني الذي يعطل الجزء
الإبداعي في المخ.
فالإرهاق الذهني انعكاس واضح لحالة الجسم، وبخاصة عندما يجتمع على الإنسان
النوم الرديء والطعام الرديء والاضطرار إلى سحب مخزون الجسم من الطاقة في أعمال ثقيلة على النفس والجسد.
إذا كنت تظن أن السبب في حبسة الكتابة عندك الإرهاق الجسماني، فأفضل ما
يمكنك فعله أن توجد مناخًا مناسبًا للتأليف مثل الكتابة في أيام الإجازات والراحات،
أو في ساعات ذروة الطاقة مثل أن تخصص وقتًا للكتابة عقب الاستيقاظ من النوم
مباشرة.
الاستسلام للمشتتات
عليك أن تفهم كلمة ’’مشتتات‘‘ بمعنى كل ما يخرجك من حالة التركيز على
الكتابة إلى التركيز على أمور أخرى.
فتنبيهات وسائل التواصل على الهاتف، وإجراء المكالمات واستقبالها، والتحدث
إلى الآخرين، والضوضاء، وغير ذلك مما يتفق مع طبيعتك الشخصية، قد يكون ملهيًا
لعقلك، ومسببًا لحبسة الكتابة.
لكل إنسان برمجة عقلية مختلفة، فالبعض قد يجيد العمل في مكان يضج بالحركة
والناس، لذلك يفضل الكتابة في مقهى أو في تجمعات إنسانية.
والبعض قد يفضل الصمت التام، فيغلق الهاتف، ويوصد النوافذ، ويفرض على من
حوله الهدوء حتى يتمكن من التركيز واستدعاء الأفكار والكلمات.
تأمل في تجاربك الشخصية، واكتشف نمطك الخاص، واحرص على أن توفر لذهنك
الظروف المساعدة للاسترسال في التأليف.
التفكير المفرط في القصة
في بعض الأوقات يتسبب التفكير الزائد في العمل في تعطيل العقل عن مهمته
الأساسية، وهي التداعي الحرّ، الفطري، الإبداعي .. أي تعطيل الجزء المتعلق
بالموهبة.
الإفراط في التفكير في حكايتك الأدبية يجبر العقل على العمل وفق القواعد،
ومن ثم وضع أطر، ونظريات، وافتراضات، وكلّ ما من شأنه أن يساعده داخليًا على تصور
الأمر.
وهذا، مخالف لطبيعة العفوية المطلوبة في هذه المرحلة؛ ففي البداية يحتاج
المؤلف إلى أن يمنح ذهنه الحرية في التصور دون قيود.
لذا، إن شعرت أن حبسة الكاتب سببها كثرة التفكير في عناصر الرواية مثل
الشخصيات، أو وظيفة المشاهد، أو الصراع، أو الحبكة، فامنح نفسك إجازة
إجبارية.
نعم، أفعل شيئًا مختلفًا عن الكتابة والتفكير فيها. تنزّه، سافر، قابل
أصدقاءك، شاهد فيلمًا سينمائيًا، اقرأ في مجال مختلف.
عندما يتحرر عقلك من الضغوط، سيعاود الانطلاق مجددًا بأفكار مختلفة، وتداع بديع.
نقص البحث الأولي
كتابة رواية جيدة يتطلب من الروائي إجراء بحوث حول إعدادات القصة مثل
الزمان، والمكان، واللهجة المستخدمة في ذلك التوقيت، وغير ذلك من
العناصر.
وعندما يبدأ الروائي كتابة قصته، فإنه يحتاج أن تكون هذه المعلومات
الأساسية في ذهنه، أو مكتوبة أمامه لكيلا يعيق تدفق الأفكار.
فإذا غابت عن ذهنه التفاصيل، ووجدت فجوات معلوماتية عن بيئة الحكاية مثلما
ذكرنا مثلًا ملابس الشخصيات في هذه الحقبة، أو طبيعة العمارة والمباني، أو الأسماء
الدراجة، فلا شك أن ذلك سيعيق عملية الكتابة.
ضبابية الفكرة
من أهم أسباب قفلة الكتابة أن يكتب الإنسان عن أمور غير واضحة في ذهنه.
ويحدث هذا عندما يجهل المؤلف ما يجب عليه فعله في الأحداث أو الشخصيات،
وغيرها من العناصر.
إنّه يجلس إلى الكتابة بفكرة أساسية واحدة، لكنه لا يعرف كيف ستطور.
لا يعرف ماذا عليه أن يكتب في
المشهد التالي، ولا كيف ستنمو الشخصية؟، ولا كيف سيفجر الحدث الرئيس الأحداث
المتتابعة التي تحافظ على زخم الصراع وتطور الحبكة.
بالطبع، ليس شرطًا أن يكون الروائي ملمًّا بكل تفاصيل الحكاية، ولكن على
الأقل يكون لديه صورة عامة عن كلّ شخصية، وكل حدث.
ولعلاج هذا السبب من أسباب حبسة الكتابة، تعلم كيف تكتب ملخص لروايتك، يكون أشبه بالخارطة أو العمود الفقري
الذي يساعدك على السير خطوة بعد خطوة.
مع التأكيد لنفسك، أن هذا المخطط قابل للحذف والإضافة حسبما يقتضي التطور
الطبيعي للقصة.
الإغراق في التفاصيل
يأتي هذا السبب من أسباب قفلة الكتابة على النقيض من السبب السابق.
فهنا، يسرف المؤلف على نفسه في الجزئيات، فيجد نفسه غارقًا في نقطة واحدة
في الرواية متعطلًا عن تجاوزها للكتابة حول أمور أخرى.
إذا شعرت أن هناك تدفقًا زائدًا في جزئية واحدة، فأكتبه على الهامش. لا
تجعله ضمن المتن الأصلي للرواية، حتى لا يوقف السرد.
دوّن التفاصيل الدقيقة الكثيرة في ورقة أخرى، أو سجلها صوتيًا على الهاتف،
واستمر في التقدم إلى الأمام في نصّك الروائي.
أسباب حبسة الكتابة
من واقع التجربة، فإنه يمكن إرجاع أسباب حبسة الكتابة إلى أصول أربعة، هي:
أسباب فسيولوجية
- الإرهاق
- التوتر
- القلق
- فقدان الشغف
- التجارب الحياتية المؤلمة
أسباب نفسية
- الخوف من النقد
- الإعلاء من رأي الآخرين
- فقدان الثقة في الذات
- الرغبة في الكمال
- وضع معايير قياسية
- التصلب والجمود
أسباب معلوماتية
- نقص البحث
- ضعف القراءة في كتب أساسيات كتابة الرواية
- ضعف التخطيط
- الإغراق في التخطيط
أسباب سلوكية
- الكسل
- التسويف
- عدم إعطاء الكتابة أولوية
علاج حبسة الكتابة
يختلف علاج قفلة الكاتب باختلاف كل واحد منّا، ففي النهاية نحن متفردون
ولكلٍ منا شخصيته وأسبابه.
ومع ذلك، فإنه يمكن تطبيق بعض الحلول المجربة ومنها:
- العمل على مشروعين كتابيين في نفس الوقت
- منح العقل وقتًا للراحة والترفيه
- استكمال نواقص البحث
- مناقشة أفكار الرواية أو نقاط التوقف مع مختصين (يسعدنا تقديم هذه الخدمة المدفوعة في موقع الروائي .. تواصل معنا)
- تخصيص أفضل الأوقات للكتابة
- الكتابة في ساعات الطاقة والصفاء الذهني
- الكتابة في بيئة مساعدة
- اكتب عمّا تعرفه
إذا كانت لديك تجربة مع حبسة الكتابة وترغب في مشاركتها، اترك تعليقًا أسفل
هذا الموضوع.