حبكة الفصول الثلاثة من مخططات كتابة الرواية الأكثر شيوعًا وقدمًا. وحبكة الثلاثة فصول مثل مخطط حبكة رحلة البطل، عبارة عن مجموعة من الأطر النظرية أو النماذج المُجرَّبة التي استخدمها المؤلفون بطريقة عفوية أو مقصودة سابقًا، ثم عمل النقاد ومدرسو حرفة الكتابة على صياغتها في شكل قواعد ومبادئ.
تأليف الروايات بحبكة الفصول الثلاثة من أقدم هذه المخططات، بل يذهب البعض إلى إنها أقدم الهياكل المعروفة لصياغة القصص والحكايات وسيناريوهات الأفلام والأعمال الدرامية، وهي دون شك الأكثر شيوعًا.
ويرى الدارسون لتاريخ الكتابة أن أوّل من بشّر بهيكل الفصول الثلاثة كان ’’أرسطو‘‘ في كتابه ’’فنّ الشعر‘‘، إذ ذهب إلى أن الأعمال الدرامية تعتمد في كتابتها على سبب يخلق نتيجة، ومن هنا فإن كلّ حدث يولد حدثًا جديدًا حتى تنتهي الحكاية!
ومن أجل أن يكون تعريفنا اليوم بمخطط الفصول الثلاثة مفيدًا، سنطبقه على رواية كلاسيكية متاحة للقراءة ومعروفة لدى الجميع، وهي رواية ’’خان الخليلي‘‘ للروائي الراحل نجيب محفوظ.
تمهيد لهيكل الفصول الثلاثة في كتابة الرواية
- ربما يعرف الكثيرون أن تقنية كتابة رواية بهيكل الفصول الثلاثة، يعني ببساطة أن تكتب قصة لها (بداية)، و(وسط)، و(نهاية).
- وهذا المفهوم صحيح تمامًا لكن يبقى التحدي دائمًا في كيفية صناعة هذه الأجزاء الثلاثة ودمجهًا معًا للوصول إلى الصورة النهاية للنصّ الروائي.
- وفي هذا المقال عن أساسيات كتابة الرواية بطريقة الفصول الثلاثة، نسعى إلى تحليل بنية كل مكوّن من هذه المكونات، مع تقديم النموذج العملي من رواية ’’خان الخليلي‘‘.
- ويجب أن نفهم ونحن نكتب الرواية بهيكل الفصول الثلاثة، أن الأجزاء جميعها تتساوى في الأهمية، وأن المؤلف عليه أن يعمل بجد ولا يتهاون في أي جزء منها.
حبكة الفصول الثلاثة
- البداية وتتضمن (العرض، الحدث المحرض، نقطة الحبكة الأولى)
- الوسط ويتضمن (تصاعد الصراع، المواجهة، نقطة الحبكة الثانية)
- النهاية وتتضمن (ما قبل الذروة، الذروة، الختام)
كيف تكتب البداية في مخطط الفصول الثلاثة؟
يتكون الفصل الأول أو البداية في مخطط رواية الفصول الثلاثة من ثلاثة مفاهيم، أو مهمات على الكاتب أن ينجزهم، قبل الانتقال إلى الفصل الثاني، وهم:
العرض
من الضروري أن نفهم أن مصطلح العرض – هنا – يتساوى مع مفهوم إعداد خشبة المسرح، لكي يفهم المشاهد طبيعة المكان والزمان والأشخاص المنخرطين في القصة.
ومن هنا، فإن هذا الجزء من الرواية يجيب عن أسئلة تأسيسية مثل:
- أين تقع أحداث الرواية؟
- ما هي خصوصية المكان؟
- ما تأثيره على الشخصيات؟
- هل له رمزية معينة؟
- متى تقع القصة؟
- لماذا اختير هذا الزمن دون غيره؟
- كيف يستفاد من الحوادث العامة في نسق الرواية؟
- مَن الشخصية/الشخصيات الرئيسية؟
- ما هو مجال حياتهم اليومية؟
- ماذا يحتاجون في حياتهم؟
- وما هي سماتهم وصفاتهم؟
- ما هي علاقتهم بالزمكان؟، وكيف يؤثرون ويتأثرون به؟
في أثناء هذه المرحلة من الكتابة احذر من تدخل للقارئ من نقطة ميّتة، أو تكتب مقدمة رواية شاحبة، أو أن تستغرق في تفاصيل مملة، تجعله ينصرف عن النصّ.
وللمزيد حول هذه النقطة يمكن الرجوع إلى مقال كيف تكتب بداية مغناطيسية لروايتك، لتتعرف على أبرز بدايات الروايات وكيف تصنع مقدمتك الخاصة الجاذبة.
ينصح غالبًا بألّا يتجاوز العرض 10% من القصة الإجمالية، ومع ذلك يبقى هذا رهين بالقصة والعالم الذي يخلقه الكاتب.
تطبيق على رواية خان الخليلي
في رواية خان الخليلي قرر نجيب محفوظ أن تقع أحداث روايته في حيّ سكنيّ جديد على الشخصية الرئيسية لقصته ’’أحمد عاكف‘‘، لذا لجأ إلى حيلة رائعة، وهي أن نرى ’’حيّ الحسين‘‘ بعيني الشخصية التي تراه لأول مرة، ليتماهى القارئ مع النصّ، ويتقبل انطباعاتها عن محل سكنها الجديد دون مقاومة.
فيخبرنا المؤلف أنه اليوم الأول الذي تنتقل فيه أسرة عاكف إلى حيّ الحسين، وقد تمت عملية الانتقال أثناء وجود البطل في عمله صباحًا، لذا سيغير وجهته لأول مرة عند انصرافه من عمله من حي السكاكيني إلى حي الأزهر وصولًا إلى حي الحسين.
وهكذا، سنقرأ أفكار وعواطف الشخصية عن الحيّ وأهله، مما سيولد لدينا فهمًا ما ليس للمكان وحسب، وإنما لأحمد عاكف والقناعات التي في عقله، ونتعرف عن قرب عمّا ينقصه ويسعى لتحقيقه.
الحدث المحرض
- من أساسيات كتابة الرواية بطريقة الفصول الثلاثة أن يكون هناك حدثًا محفزًا، ينزع الشخصية الرئيسية من عالمها اليومي ويدعوها لتجربة أمور جديدة.
- في الحقيقة، لا قصة دون هذه الدعوة أو الحدث الذي يشعر معه البطل وكأن الوقت قد حان ليستكمل النقص في شخصيته، أو يحقق الأحلام التي يسعى إليها.
- ليس شرطًا أن يكون الحدث المحرض ثورة بركان، أو انفجار طائرة، أو حريق مدمر – وإن كانت هذه الأشياء مقبولة أيضًا – لكنه قد يكون مجرد لقاء عابر في القطار، أو كلمة تقال، أو نظرة ترى.
- فالحدث المحرض يختلف باختلاف تصنيف الرواية، فمثلًا في روايات الجريمة تعد الحادثة (السرقة/القتل/الاختطاف/إلخ) هي الحدث المحرض، إلّا إنه في الروايات التاريخية قد يختلف الأمر، فقد كان الحدث المحرض في روايتي ’’خبز الربّ‘‘ – يمكنك تحميلها مجانًا من هنا – كان الحدث المحرض نزول نائب الإمبراطور الروماني إلى قرية مصرية، وطلبه من الأهالي السجود إلى تمثال الإمبراطور، مما أدى إلى رفض أسرة مسيحية، لتتوالى بعدها الأحداث.
- يمكننا تعريف الحدث المحرض بأنه ’’الدعوة التي لا يمكن للشخصية تجاهلها‘‘، لأنها الدعوة التي ستحقق لها – حسب ما تظن الشخصية – التحول الذي طال انتظاره.
- الحدث المحرض يفجر الصراع الداخلي لدى الشخصية، فيضعها أمام مرآة الحقيقة، ويجبرها على ترك منطقة الراحة، كما أنه يفجر الصراع الخارجي بين البطل والمجتمع، أو الطبيعة، أو الأشرار، أو الخصوم، أو الزمن، أيًا كان الخصم الخارجي.
- في أغلب المخططات يقدم الكتاب البطل عازفًا عن الاستجابة للحدث المحرض، لأنه لا يحب الخروج من منطقة الراحة، أو لأنه لا يبالي، أو لأسباب أخرى تتعلق بشخصيته، لكن في النهاية يجب أن يستجيب لهذا النداء القاهر.
ينصح غالبًا بأن يظهر الحدث المحرض في 15% الأولى من القصة الإجمالية، ومع ذلك يبقى هذا رهين بالقصة والعالم الذي يخلقه الكاتب.
تطبيق على رواية خان الخليلي
في رواية خان الخليلي يجب أن نفهم الحدث المحرض بفهمنا للشخصية الأساسية (أحمد عاكف) الكهل الذي يعيش في فقاقيع من الأكاذيب صنعها لنفسه ليحتمي بها من فشله وخواء حياته.
فالرجل الذي لم يكمل تعليمه لأسباب عائلية يرى في نفسه عبقرية فذة جارت عليها الدنيا، وأنه لو استكمل تعليمه النظامي لصار شهيرًا ومبرزًا مثل هؤلاء الوجهاء من حوله.
ولأنه يكذب على نفسه، فإنه يتجاهل أنه تقدم للامتحانات الجامعية وفشل، فيحاول أن يقنع نفسه أن القراءة الحرة في الكتب الصفراء العتيقة قد منحته علمًا وفلسفة لا يحصل خريجو الجامعات على عُشرها.
أحمد عاكف فاته قطار الزواج وقد قارب الخمسين، وعلاقته بالحب والعشق مجرد تجارب صبيانية لم ترق إلى مراحل العلاقات الدسمة، حتى أنه عندما طلب يد فتاة ردّ من الباب لأنه كبير السن، قليل المال!
وهنا، يظهر الحدث المحرض بظهور جارة فتاة سمراء جميلة في سن السادسة عشر، يقنع عاكف نفسه أنها تبادله الحب، وترسل له نظرات الهيام، وتمهد له الطريق، لفك شفرة الحب معها.
فهل يمكن لرجل أن يرفض الحب وهو في المحطة الأخيرة لشبابه؟!
نقطة الحبكة الأولى
- كما ذكرنا فإنه من أساسيات كتابة الرواية بطريقة الفصول الثلاثة أن يؤدي كل حدث لما يليه، وأن العلاقة بين تتابع الأحداث هي علاقة السبب والنتيجة.
- وهكذا، تأتي نقطة الحبكة الأولى للرواية كنتيجة للحدث المحرض، فالبطل بعد مقاومة داخلية عنيفة، يبدأ في الاستجابة للنداء، والخروج من منطقة الراحة للقيام بعمل ما يثبت به انخراطه في المغامرة، أو دخوله في الصراع الخارجي!
- في كثير من الروايات يكون الحدث المحرض ونقطة الحبكة الأولى متتاليين، لا يفصل بينهما زمن طويل، إلا إنه قد يفضل بعض الكتاب منح شخصياتهم وقتًا في الصراع الداخلي لمزيد من التعمق في الدوافع الخفية، والقصص الخلفية.
تطبيق على رواية خان الخليلي
يظل أحمد عاكف مترددًا، غير واثق من نفسه ولا مظهره، يسأل طوال الوقت عمّا يجب فعله للاقتراب من جارته ذات العينين الواسعتين.
ورغم ظهور تهديدات تمثلت في (أحمد راشد) المحامي المثقف، الذي اختاره والد الفتاة ليدرس لها، فإن عاكف بشخصيته المهتزة، يظل يراوح بين قدميه مجفلًا عن اتخاذ خطوة إيجابية واحدة للاقتراب من الفتاة التي أحبها.
وكأن الفتاة شعرت أن جارها يربكه الخجل رغم تقدمه في العمر، فمدّت هي حبال النظر لتشجعه، فطابت نفسه وتجرأ على النظر إليها من شباك غرفته كل يوم، وتبادل معها إشارات بسيطة يستفسر منها عن غيابها وحضورها، ليس أكثر من ذلك.
رغم أن هذه الخطوة قد تبدو صغيرة بالنسبة للبعض، فإنها خطوة هول مرعبة بالنسبة لرجل له شخصية أحمد عاكف وظروفه النفسية والعاطفية والعمرية.
كيف تكتب الوسط في مخطط الثلاثة فصول؟
- غالبًا ما توصف منطقة الوسط في كتابة أي رواية بأنها منطقة الفوضى التي يتزاحم فيها كلّ شيء، فيشعر المؤلف بالضياع، وقد يدفعه هذا التحدي إلى هجر الكتابة، أو الإصابة بسدّة الكتابة كما يقال.
- فمرحلة المنتصف هي منطقة تشابك مصائر الشخصيات، وتأجج الصراعات الخارجية، وهي التي تظهر فيها آثار نقاط التحول.
- ويمكن الكاتب التغلب على هذه المشاعر باستهداف السير نحو الهدف، بزيادة حدة الصراعات، ودفع الأمور نحو الذروة.
- ولهذا، يعد هذا الجزء من الرواية هو الأطول، ويجمع في الأغلب بين الربعين الثاني والثالث معًا.
تصاعد الصراع
- لكي تستمر في الكتابة وفقًا لأساسيات كتابة الرواية بطريقة الفصول الثلاثة، فأنت تتابع الآثار المترتبة على خروج البطل من منطقة الراحة.
- لقد خطى أول خطوة نحو تحقيق هدفه، ولم يعد يختفي في غرفته أو خلف الجدران من المجتمع أو القانون أو الخصوم أو التحديات الخارجية، ومن ثمّ فلا بد من مواجهة ما!
- إذن، السؤال الذي سيطرحه المؤلف في هذه المرحلة من كتابة الرواية سيكون؛ ماذا سيترتب على قرارات شخصيتي الرئيسية؟
- لكي تضمن تصاعد الصراع في روايتك، ليس عليك سوى وضع المزيد من العراقيل والمصاعب أمام الشخصية، والأفضل أن تسمح لصفاتها الطبيعية بالتصرف، الذي سيقود حتمًا إلى انكسارات وهزائم، وربما قليل جدًا من الانتصارات.
- ورغم أن القارئ والكاتب قد يحزنان لانكسار البطل في الرواية، فإن هذه الانكسارات في حقيقتها هي الدروس التي على الشخصية أن تتعلمها لتقوى وتزداد خبرة، فتواجه القادم بعقلية أكثر نضجًا ووعيًا.
- في هذه المرحلة يظهر دور بعض الشخصيات الثانوية الأصدقاء/الخصوم، فالنوع الأول سيدعم البطل وربما قدم له حلولًا أو نصائحًا أو أنقذه بالفعل من موت معنوي أو مادي، في حين سيكون على النوع الثاني (الخصوم) زيادة التحديات والمشاق والعقبات أمام البطل، وكلما خرج من اختبار وضعوه في ثان.
تطبيق على رواية خان الخليلي
بعد أن نجح أحمد عاكف أخيرًا في التغلب على خجله، وشرع في التواصل مع جارته الفتاة الحسناء، يعود شقيقه الأصغر من عمله في أسيوط ليستقر في القاهرة.
رشدي الأخ الشاب الوسيم صاحب العلاقات العاطفية يكن لأخيه الأكبر حبًا من نوع خاص لأنه تكفل بتعليمه مضحيًا بحظوظه الشخصية، وأحمد عاكف يرى في أخيه الصغير إنجازًا شخصيًا يعوّضه عن خيباته اليومية.
إلّا أن رشدي يلحظ أول ما يستقر في غرفته نافذة جارته الجميلة، فيشرع في مغازلتها بجرأة وشجاعة مستخدمًا أسلحة الوسامة والشباب وخفة الظل التي يفتقر إليها أخوه الأكبر.
ولأنها مرحلة تأجج صراع البطل (أحمد عاكف) مع البيئة الخارجية ومع نفسه بالأساس، فإن القدر يقوده إلى غرفة أخيه في ذات اللحظة التي كان يتواصل فيها مع الفتاة بالإشارات والابتسامات!
المواجهة
- نقطة المواجهة في حبكة كتابة الرواية بطريقة الفصول الثلاثة، هي النقطة التي على الشخصية أن تواجه فيها نقائصها وعيوبها، فتقرر ما إذا كانت ستواجه التهديدات التي تعوقها عن الوصول للهدف أم الاستسلام لهذه التهديدات؟
- هنا، سيقف البطل أمام حقيقة ذاته، هل لديه المؤهلات التي تساعده على استكمال الرحلة؟، هل لديه القوة الداخلية التي تمكنه من اجتياز هذا الامتحان الصعب؟.
- إنها نقطة الشكّ في الذات والقدرات، بل والشك في القيم والمثل والمبادئ التي يؤمن بها البطل.
- ولهذا، يجب أن تكون مرحلة المواجهة في كتابة الرواية تعبر عن انكسار أكبر من أي انكسار آخر في القصة، كما أنها يجب أن تعيد صياغة الصراع فتضخمه ليتجاوز البطل وعالمه المحدود إلى معنى إنساني أعمق.
- إن الهدف من كتابة مرحلة المواجهة أثناء تأليف الرواية، أن نرفع ’’الرهانات‘‘ والتوقعات لدى القارئ. أن نجعله يتماهى في الشخصية فيتخذ عنها القرارات المصيرية، وأن يضع نفسه في نفس موضعها، فيتوتر، ويحزن، ويفكر. وهذا غاية الأدب الروائي.
تطبيق على رواية خان الخليلي
ستخيب شخصية أحمد عاكف آمال القارئ الشجاع، فالرجل – حسب – صفاته التي أوضحها نجيب محفوظ في أكثر من موقف، أجبن من المواجهة، وأضعف من أن يخوض معركة وبخاصة أن طرفها الآخر شقيقه.
لذا، ينكفئ عاكف على نفسه، يجترّ أحزانه، ويراقب أخاه يتقدم خطوة بعد خطوة في سرعة معجزة نحو الفوز بقلب الفتاة، والاندماج مع أسرتها رغم حداثة عهده بالسكنى في البيت.
نقطة الحبكة الثانية
- إذا كانت نقطة الحبكة الأولى – كما ذكرنا – هي تخطي عتبه ضرورية للتقدم في الحبكة، أو كاستجابة ضرورية للحدث المحرض، فإن النقطة الثانية بمثابة محاولة جادة من الشخصية لإعادة بناء نفسها، بعدما حدث في مرحلة المواجهة.
- وهكذا، تأتي نقطة الحبكة الثانية في هيئة تجربة غير اعتيادية يخوضها البطل، أو تحدٍ جديد يقدم عليه، أو وسيلة ليثبت لذاته أنه لم ينهدم بالكلية، وأنه قادر على الفعل.
- يرى البعض أن نقطة الحبكة الثانية يجب أن تشهد تطورًا ما في الشخصية، فيكتسب فيها صفات وسمات مختلفة عمّا كان عليه قبلها، تمهيدًا لما ينتظره في بقية الأحداث.
تطبيق على رواية خان الخليلي
بعد أن يأس أحمد عاكف من أن يحصل على الحب، وظهر أخوه عائقًا يحول دون زواجه من الفتاة التي أحبها، وجد نفسه في مقارنة دائمة بين شخصيته وشخصية أخيه.
ورأى في أخيه الشاب الجرأة والشجاعة والإقدام والإنجاز، وهي صفات يفتقر إليها، بل إنه يعزي إليها تأخره في مصارحة جارته بحبه.
ومن هنا، يحاول أحمد عاكف تعويض هذه الصفات عن طريق الاستجابة لدعوة رفاقه في المقهى لزيارة ’’عليات الفائزة‘‘ وهي امرأة تدير ’’غرزة‘‘ سرية لشرب الحشيش، وتحظى بتقدير الرجال وكراهية الزوجات نظرًا لميل الرجال إليها حتى أنها لقبت بــ ’’معشوقة الأزواج‘‘.
زيارة أحمد عاكف الخجول، الذي يخشى الاقتراب من النساء لبيت ’’عليات‘‘ ببنيانها الأنثوي المفرط حسب وصف المؤلف، تمثل لعاكف محاولة للترميم والتعافي، واستعادة الثقة في النفس بعد ما انهدمت في مرحلة المواجهة.
بانتهاء نقطة الحبكة الثانية ينتهي تقريبًا ثلاثة أرباع الرواية، ويبقى الربع الأخير لمرحلة النهاية التي تتضمن (ما قبل الذروة، الذروة، الختام).
كيف تكتب النهاية في سيناريو الفصول الثلاثة؟
- الفصل الثالث في حبكة الفصول الثلاثة، هو نهاية القصة حيث تتجمع الخيوط، وتغلق أقواس الشخصيات، وتكتمل الحبكات الفرعية، ويمنح القارئ الجائزة على مثابرته في المتابعة.
- ولأن الفصل الأخير في حبكة الفصول الثلاثة يمثل ’’الحل‘‘ للمشكلات التي طرحها النص، فغالبًا ما يتضمن إجابات عن أسئلة الرواية.
- وهنا، سيكتشف القارئ كيف تطورت الشخصية، وهل ساعدتها الأحداث والصراعات على النمو الإيجابي أم السلبي.
- ولذلك، يجب أن يكون الفصل الأخير في الحبكة، هو الفصل الأكثر تشويقًا وإثارة لتوتر القارئ، فالمؤلف لا يرغب في أن يكون آخر لقاء له مع قارئه فاترًا أو باردًا.
- كما أن طبيعة هذا الجزء تقضي بأنه يتضمن ’’الذروة‘‘، وكما يظهر من معناها فهي النقطة الأعلى مخاطرة ورهانات وتوقعات.
- ويمكن للمؤلف أن يفكر في هذا الجزء من روايته على أنه قصة مستقلة من فصول ثلاثة هي (ما قبل الذروة، الذروة، النهاية)، ليمنحها تدقيقًا خاصًا، وجهدًا أكبر.
ما قبل الذروة
- تشهد مرحلة ما قبل الذروة تعقدًا كبيرًا في الصراعات الداخلية والخارجية على السواء.
- ويصبح على الشخصية أن تواجه أعمق مخاوفها، فلا مجال في هذه النقطة للهروب أو المراوغة. لقد أوشكت القصة على النهاية وما عاد يجدي البطل التملص من مسؤولياته أو من أقداره.
- ومن هنا، عليه أن يخوض في ظلام روحه الذي طالما تجنبه، وأن يستعد لمواجهة خصمه الذي كثيرًا ما تهرب منه، وأن يستفيد من جميع الدروس والخبرات المؤلمة التي صادفته في الفصلين السابقين، وأن يسمح لشخصيته بالنمو والتطور المطلوب.
- في مرحلة ما قبل الذروة في حبكة الفصول الثلاثة، ترتفع حدة المخاطر والرهانات، فالفشل في هذه المرحلة له عواقب وخيمة، قد تعني الموت المعنوي أو المادي للشخصية أو لمن يحبهم.
- كتابة مرحلة ما قبل الذروة في مثل أهمية كتابة مرحلة الذروة، لأنها تمهيد لما سيأتي من الذروة، وما سينتهي إليه الكاتب من حلول.
- لا تنس وأنت تكتب روايتك في مرحلة ما قبل الذروة، أن تكثف الصراعات، وأن تظهر نمو الشخصيات، وأن ترتفع التوتر في جميع جسم الرواية (تعرف على أدوات صناعة التوتر في الرواية)، وأن تثير إعجاب القارئ بأمور لم يتوقعها.
تطبيق على رواية خان الخليلي
استسلم أحمد عاكف لضياع فرصته في الحب على يد أخيه رشدي الذي يعتبره ابنًا، ويكنّ له محبة صافيًا، إلّا إن الكاتب يأبى أن تنتهي روايته بهذا الشكل التقليدي، فيمهد للذروة بحدث مفاجئ لكنه ليس منقطعًا عن السرد السابق، فقد وضع بذوره في مشاهد سابقة.
وقد كان الحدث إصابة ’’رشدي‘‘ بداء السلّ وتدهور حالته الصحية، وقد يستدعي عزله في مصحة علاجية لمدة تجاوز الشهور الستة، مما يعني فقده لوظيفته، ومن ثمّ قد يشيع الخبر، فيعرفه الجيران الذين ينوي مصاهرتهم. ولأن شخصية رشدي مغامرة، فإنه يرفض العزل الصحي، ويستمر في الرعونة، مما يعجل بتمكن المرض من جسمه.
الذروة
- في نقطة الذروة يكون على الشخصية أن تواجه بالفعل العدو، الذي قد يكون ماديًا أو معنويًا، والذي قد يكون الشخصية نفسها، برغباتها وشهواتها وعيوبها.
- الذروة في حبكة الفصول الثلاثة، نقطة حرجة يصبح كلّ شيء فيها على المحك. لذلك، غالبًا ما يتبعها تحول كبير في الشخصية والأحداث والصراع.
- وهذا يقتضي بأن تترك انطباعًا قويًا لدى القارئ، يظهر في هيئة مشاعر تجاه الشخصيات مثل التعاطف أو الكراهية أو الغضب أو الرضا، إلخ.
- في مرحلة الذروة تغلق كل القصص الجانبية، ويخلى الطريق أمام قطار القصة الرئيسية وحيدًا، ليقل القارئ نحو النهاية.
- عند كتابة مرحلة الذروة في روايتك، تذكر أنها النقطة التي يجب على الشخصية أن تتخذ قرارًا حاسمًا يعكس ما وصلت إليه من تطور ونمو. هذا القرار الحاسم يكون بمثابة اختبار حقيقي لمنظومة القيم للشخصية، أو سؤال عن قدرتها على التضحية.
- هنا، في ذروة الرواية يجب أن يتنفس القارئ، متحررًا من التوتر الذي صاحبه في هذا الجزء وما قبله، هنا تظهر الثيمة الأساسية للقصة بشكل واضح، ويحصل القارئ على التطهير الذي يطلبه.
تطبيق على رواية خان الخليلي
مرض رشدي شقيق أحمد عاكف ومنافسه على قلب الجارة ’’نوال‘‘، حرك في قلب الأخير نوازع سببت صراعًا داخليًا.
فهل يقبل بمرض أخيه لينزاح من طريقه، فيعود إلى الفتاة التي خفق لها قلبه؟، هل يعد ذلك خيانة للأخ الذي هو بمثابة الابن؟
إلّا أن الذروة تحدث فعلًا عندما يموت رشدي متأثرًا بمرضه، ويتأثر أحمد عاكف برحيله كما يجب على أخ صادق العاطفة، وأب يفقد ولده لكن يبقى السؤال: هل يستكمل أحمد عاكف مشروعه الذي عطله ظهور رشدي؟، هل ينحاز إلى قلبه بعد أن تجاهله رغبة في سعادة أخيه؟، أم يظل وفيًا لذكرى أخيه العزيز ويقسو على قلبه من جديد؟
يختار بطل رواية خان الخليلي الخيار الأخلاقي – من وجهة نظره – فيرفض أن يسمح لنفسه بالاقتراب من فتاة أحبها أخوه وأحبته، ويجبر قلبه على تجاهل مشاعره للفتاة لكيلا يخون أخاه ولو ميتًا.
’’فلكي أخلص إلى هذا الحب ينبغي أن أدوس كرامتي وذكرى أخي، وهو المحال. بيني وبين الحب أخي وكبريائي‘‘
خان الخليلي – نجيب محفوظ
النهاية
فكّر في نهاية روايتك على أنها بداية قصة جديدة!
فالخاتمة هي نهاية الحكاية لكنها ليست نهاية الشخصيات، لذا اجعل من خاتمة الرواية فرصة لبدء قصة جديدة حتى ولو لم تروها. فربما قد يأتي شخص آخر يومًا ما ليروها.
تطبيق على رواية خان الخليلي
بانحيازه إلى الخيار الأخلاقي لا العاطفي، يصبح وجود أحمد عاكف بجوار حبيبته وحبيبة أخيه ضربًا من الجنون، وتعذيبًا للنفس، ونكأً للجراح.
لذا، يقرر عاكف مغادرة حي خان الخليلي بأكمله، والانتقال بأبيه وأمه إلى حي جديد، ومع هذا الانتقال تلوح بشائر التغير في حياته، فتتحسن ظروفه الوظيفية، ويبدو في ثنايا الأقدار ثمة أمل!
***
احرص على قراءة المزيد من الروايات الكلاسيكية لتتعرف عن قرب على حبكة الفصول الثلاثة. إذا رغبت في الاستفسار عن أي نقطة في هذه التدوينة، اترك تعليقًا، وسنرد عليك في أسرع وقت.